وقوله : { أولا يرون أنهم يفتنون } الآية ، وقرأ الجمهور «أولا يرون » بالياء على معنى أو لا يرى المنافقون ، وقرأ حمزة «أولا ترون » بالتاء على معنى أو لا ترون أيها المؤمنون ، فهذا تنبيه للمؤمنين ، وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب والأعمش «أولا ترى » أي أنت يا محمد .
وروي عن الأعمش أيضاً أنه قرأ «أو لم تروا » .
وذكر عنه أبو حاتم «أو لم تر » وقال مجاهد { يفتنون } معناه يختبرون بالسنة والجوع ، وحكى عنه النقاش أنه قال مرضة أو مرضتين ، وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة : معناه يختبرون بالأمر بالجهاد ، والذي يظهر مما قبل الآية ومما بعدها أن الفتنة والاختبار إنما هي بكشف الله تعالى أسرارهم وإفشائه عقائدهم ، فهذا هو الاختبار الذي تقوم عليه الحجة برؤيته وترك التوبة ، وأما الجهاد أو الجوع فلا يترقب معهما ما ذكرناه ، فمعنى الآية على هذا فلا يزدجر هؤلاء الذين تفضح سرائرهم كل سنة مرة أو مرتين بحسب واحد واحد ، ويعلمون أن ذلك من عند الله فيتوبون ويتذكرون وعد الله ووعيده ، وأما الاختبار بالمرض فهو في المؤمنين وقد كان الحسن ينشد :
أفي كل عام مرضة ثم نقهة*** فحتى متى حتى متى وإلى متى ؟
وقالت فرقة : معنى { يفتنون } بما يشيعه المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأكاذيب ، فكأن الذي في قلوبهم مرض يفتنون في ذلك ، وحكى الطبري هذا القول عن حذيفة وهو غريب من المعنى .
عطف على جملة { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 125 ] إلى آخره فهي من تمام التفصيل .
وقدّمت همزة الاستفهام على حرف العطف على طريقة تصدير أدوات الاستفهام . والتصدير للتنبيه على أن الجملة في غرض الاستفهام .
والاستفهام هنا إنكار وتعجيب لعدم رؤيتهم فتنتهم فلا تعقبها توبتهم ولا تذكّرهم أمر ربهم . والغرض من هذا الإنكار هو الاستدلال على ما تقدم من ازدياد كفر المنافقين وتمكنه كلما نزلت سورة من القرآن بإيراد دليل واضح يُنَزَّلُ منزلة المحسوس المرئيّ حتى يَتوجه الإنكار على من لا يراه .
والفتنة : اختلال نظام الحالة المعتادة للناس واضطرابُ أمرهم ، مثل الأمراض المنتشرة ، والتقاتل ، واستمرار الخوف . وقد تقدم ذكرها عند قوله : { والفتنة أشد من القتل } [ البقرة : 191 ] وقوله : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } في سورة البقرة ( 193 ) .
فمعنى { أنهم يفتنون } أن الله يسلط عليهم المصائب والمضار تنال جماعتهم مما لا يُعتاد تكرر أمثاله في حياة الأمم بحيث يدل تكرر ذلك على أنه مراد منه إيقاظ اللّهِ الناس إلى سوء سيرتهم في جانب الله تعالى ، بعدم اهتدائهم إلى الإقلاع عما هم فيه من العناد للنبيء صلى الله عليه وسلم فإنهم لو رزقوا التوفيق لأفاقوا من غفلتهم ، فعلِموا أن ما يحل بهم كل عام ما طرأ عليهم إلا من وقت تلبسهم بالنفاق .
ولا شك أن الفتنة التي أشارت إليها الآية كانت خاصة بأهل النفاق من أمراض تحل بهم ، أو متالف تصيب أموالهم ، أو جوائح تصيب ثمارهم ، أو نقص من أنفسهم ومواليدهم ؛ فإذا حصل شيئان من ذلك في السنة كانت الفتنة مرتين .
وقرأ الجمهور { أولا يَرون } بالمثناة التحتية . وقرأ حمزة ويعقوب { أولا ترون } بالمثناة الفوقية على أن الخطاب للمسلمين ، فيكون من تنزيل الرائي منزلة غيره حتى ينكر عليه عدم رؤيته مَا لا يخفى .
و { ثم } للترتيب الرتبي لأن المعطوف بها هو زائد في رتبة التعجيب من شأنه على المعطوف عليه ، فإن حصول الفتنة في ذاته عجيب ، وعدم اهتدائهم للتدارك بالتوبة والتذكر أعجب . ولو كانت ( ثم ) للتراخي الحقيقي لكان محل التعجيب من حالهم هو تأخر توبتهم وتذكرهم .
وأتي بجملة { ولا هم يذكرون } مبتدأة باسم أسند إليه فعل ولم يقل : ولا يذكرون ، قصداً لإفادة التقوي ، أي انتفاء تذكرهم محقق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.