اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوَلَا يَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ يُفۡتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٖ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَيۡنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (126)

قوله : " أَوَلاَ يَرَوْنَ " قرأ حمزة ، ويعقوب{[18258]} بتاء الخطابِ ، وهو خطابُ للذينَ آمنُوا والباقون بياءِ الغيبة ، رجُوعاً على { الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } . والرُّؤية هنا تحتمل أن تكون قلبية وأن تكون بصريةً . قال الواحديُّ : قوله : " أولا تَروْنَ " هذه ألف الاستفهام دخلت على " واو " العطف ، فهو متصل بذكر المنافقين ، وهو خطاب على سبيل التنبيه قال سيبويه عن الخليلِ في قوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً } [ الحج : 63 ] المعنى : أنزل الله من السماءِ ماء ؛ فكان كذا وكذا .

قوله : { أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ } أي : يبتلون " في كُلِّ عام مرَّةً أو مرَّتين " بالأمراض والشدائد . " ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ " عن ذلك النِّفاق ، ولا يتَّعظُون كما يتَّعظُ المؤمنُ إذا مرض ، فإنَّهُ يتذكَّرُ ذنوبه ، وموقفه بين يدي الله ، فيزيده ذلك خوفاً وإيماناً ، قاله ابنُ عبَّاسٍ . وقال مجاهدٌ : يفتنون بالقحطِ والشِّدة والجوع{[18259]} . وقال قتادة : بالغزو والجهاد ؛ لأنَّهُم إذا تخلَّفوا وقعوا في ألسنة النَّاس باللَّعْن والخزي والذكر القبيح ، وإن ذهبوا إلى الغزو مع كونهم كافرين فقد عرَّضُوا أنفسهم للقتل وأموالهم للنَّهْبِ من غير فائدة{[18260]} . قال مقاتل : يفضحون بإظهار نفاقهم{[18261]} . وقال عكرمةُ : ينافقون ثم يؤمنون ثم ينافقون{[18262]} . وقال يمان : ينقضون عهدهم في السَّنة مرة أو مرتين " ثُمَّ لا يتوبُونَ " من نقض العهدِ ، ولا يرجعون إلى الله من النِّفاقِ ؛ " وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ " أي : لا يتَّعظُون بما يرونَ من تصديق وعد الله بالنَّصر والظفر للمسلمين .


[18258]:ينظر: السبعة ص (320)، الحجة 4/232، حجة القراءات ص (326)، إعراب القراءات 1/258، إتحاف 2/100.
[18259]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/520) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/523) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
[18260]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/520) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/523) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
[18261]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/341) والرازي (16/185).
[18262]:انظر: المصدر السابق.