ثم أمر تعالى نبيه أن يأمرهم بالاستجابة لدعوة الله وشريعته ، وحذرهم إتيان يوم القيامة الذي لا يرد أحد بعده إلى عمل ، والذي لا ملجأ ولا منجى لأحد فيه إلا إلى العلم بالله تعالى والعمل الصالح في الدنيا ، فأخبرهم أنه لا ملجأ لهم ولا نكير . والنكير مصدر بمعنى الإنكار وهو بمنزلة عديدة الحي{[10169]} ونحوه من المصادر ، ويحتمل أن يكون من أبنية اسم الفاعل من نكر ، وإن كان المعنى يبعد به ، لأن نكر إنما معناه لم يميز وظن الأمر غير ما عهده .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{من قبل أن يأتي يوم لا مرد له}، يعني لا رجعة لهم، إذا جاء يوم القيامة لا يقدر أحد على دفعه {من الله}، ثم أخبر عنهم يومئذ، فقال: {ما لكم من ملجأ يومئذ}، يعني حرزا يحرزكم من العذاب.
{وما لكم من نكير} من العذاب...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"اسْتَجِيبُوا لِرَبّكُمْ" يقول تعالى ذكره للكافرين به: أجيبوا أيها الناس داعيَ الله وآمنوا به واتبعوه على ما جاءكم به من عند ربكم.
"مِنْ قَبْلِ أَنْ يأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدّ لَهُ مِنَ اللّهِ": لا شيء يردّ مجيئه إذا جاء الله به، وذلك يوم القيامة.
"ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ": مالكم أيها الناس من معقل تحترزون فيه، وتلجؤون إليه، فتعتصمون به من النازل بكم من عذاب الله على كفركم به، كان في الدنيا.
"وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ": ولا أنتم تقدرون لما يحلّ بكم من عقابه يومئذٍ على تغييره، ولا على انتصار منه إذا عاقبكم بما عاقبكم به...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ما لكم من ملجإٍ يومئذ} يخرّج على وجهين:
أحدهما: أنهم إنما كانوا يعبدون الأصنام في الدنيا لتكون لهم شفعاء وملجأ، يلتجئون إليها.
والثاني: {ما لكم من ملجإ يومئذ} أي ما لهم من حِيَل يحتالون بها لدفع ما نزل بهم من العذاب على ما يكون في الدنيا من حيل يحتالون بها لدفع ما نزل بهم من البلايا والشدائد.
{وما لكم من نكير} هذا أيضا يُخرّج على وجهين:
أحدهما: أي لا يملكون أن يُنكروا على الله تعالى ما يفعل بهم؛ لأنه إنما يفعل بهم ذلك بما كسبت أيديهم، فلا يقدرون على إنكار ذلك على الله تعالى.
وقيل: لا يملكون أن يمنعوا الله تعالى عما يريد أن يفعل بهم، وهو ما ذكرنا...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
الاستجابةُ لله: الوفاءُ بعهده، والقيامُ بحقِّه، والرجوعُ عن مخالفته إلى مرافقته، والاستسلام في كل وقتٍ لحُكْمهِ. والطريقُ اليومَ إلى الاستجابة مفتوحٌ. وعن قريبٍ سيُغْلَقُ البابُ على القلب بغتةً، ويُؤْخَذُ فلتةً...
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
{استجيبوا لربكم} أجيبوا داعي الله يعني محمداً صلى الله عليه وسلم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
النكير: الإنكار، أي: ما لكم من مخلص من العذاب، ولا تقدرون أن تنكروا شيئاً مما اقترفتموه ودوّن في صحائف أعمالكم...
اختلفوا في المراد بذلك اليوم فقيل يوم ورود الموت، وقيل يوم القيامة؛ لأنه وصف ذلك اليوم بأنه {لا مرد له} وهذا الوصف موجود في كلا اليومين، ويحتمل أن يكون معنى قوله {لا مرد له} أنه لا يقبل التقديم والتأخير، أو أن يكون معناه أن لا مرد فيه إلى حال التكليف حتى يحصل فيه التلافي.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان الخوف من الفوت موجباً للمبادرة، قال مشيراً بالجار إلى أنه يعتد بأدنى خير يكون في أدنى زمن يتصل بالموت: {من قبل أن يأتي يوم} أي يكون فيه ما لا يمكن معه فلاح؛ ثم وصفه بقوله لافتاً إلى الاسم الأعظم الجامع لأوصاف الإحسان والإنعام على المطيعين والقهر والانتقام من العاصين: {لا مرد} أي لا رد ولا موضع رد ولا زمان رد {له} كائن {من الله}...
ومتى عدم ذاك أنتج قوله: {ما لكم} وأعرق في النفي بقوله: {من ملجأ يومئذ} أي مكان تلجؤون إليه في ذلك اليوم وحصن تتحصنون فيه من شيء تكرهونه، وزاد في التأكيد بإعادة النافي وما في حيزه إبلاغاً في التحذير فقال: {وما لكم من نكير} أي من إنكار يمكنكم به من النجاة؛ لأن الحفظة يشهدون عليكم فإن صدقتموهم وإلا شهدت عليكم أعضاؤكم وجلودكم، ولا لكم من أحد ينكر شيئاً مما تتجاوزون به ليخلصكم منه...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
هذه الآية ونحوها فيها ذم الأمل، والأمر بانتهاز الفرصة في كل عمل يعرض للعبد، فإن للتأخير آفات...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
بعد أن قُطع خطابهم عقب قوله: {فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا} [الشورى: 36] بما تخلّص به إلى الثناء على فِرَق المؤمنين، وما استتبع ذلك من التسجيل على المشركين بالضلالة والعذاب، ووصفِ حالهم الفظيع، عاد الكلام إلى خطابهم بالدعوة الجامعة لما تقدم طلباً لتدارك أمرهم قبل الفوات، فاستؤنف الكلام استئنافاً فيه معنى النتيجة للمواعظ المتقدمة؛ لأن ما تقدم من الزواجر يهيّئ بعض النفوس لقبول دعوة الإسلام.
والاستجابة: إجابة الداعي، والسين والتاء للتوكيد. وأطلقت الاستجابة على امتثال ما يطالبهم به النبي صلى الله عليه وسلم تبليغاً عن الله تعالى على طريقة المجاز؛ لأن استجابة النداء تستلزم الامتثال للمنادي فقد كثر إطلاقها على إجابة المستنجد. والمعنى: أطيعوا ربكم وامتثلوا أمره من قبل أن يأتي يوم العذاب وهو يوم القيامة لأن الحديث جارٍ عليه...
والمردّ: مصدر بمعنى الرد، وتقدم آنفاً في قوله: {هل إلى مَردّ من سبيل} [الشورى: 44].
{وَلا مَرد له} صفة {يوم}. والمعنى: لا مرد لإثباته بل هو واقع، و {لَه} خبرُ {لا} النافية، أي لا مرد كائناً له، ولام {له} للاختصاص.
و {مِن}: في قوله: {من الله} ابتدائية وهو ابتداء مجازي، ومعناه: حكمُ الله به فكأنَّ اليوم جاء من لدنه.
ثم يقول الحق سبحانه: {اسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ...}.
هنا أمر بالاستجابة لأمر من؟ لأمر الرب {لِرَبِّكُمْ} والرب هو الذي خلقك من عدم وأمدَّك من عُدْم، وتولَّى تربيتك ورعايتك وتفضَّل عليك، وهو سبحانه صاحب المنهج ومالك الجزاء وقادر عليه، فإليه وحده المرجع والمآب. إذن: فهو حقيق بالاستجابة إذا أمر وأَوْلى بالطاعة، فالعاقل هو الذي يسارع بالاستجابة لله تعالى.
ونلاحظ هنا أن القرآن عبَّر بالاستجابة، بدل الإجابة، لأن الاستجابة فرع الطلب، لذلك قال سبحانه: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [الشورى: 26] أي: يستجيب الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات.
فالحق سبحانه حينما يناديك ويدعوك للصلاة مثلاً يجب أنْ تجيب النداء، لأنه دعاك لمصلحتك أنت، دعاك ليعطيك شحنة إيمانية لوجودك في معية الله، فنداء الله أكبر يعني: تعال حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، تعالَ قابلني.
فالرب سبحانه هو الذي يدعوك للمقابلة، ويرحب بك في بيته وفي معيته ليصلحهم، فإذا لم يجيبوا كانوا آثمين مذنبين عاصين يستحقون العذاب، والحق سبحانه لا يستفيد من ذلك بشيء.
ولو عقدنا مقارنة بين لقاء الحق سبحانه ولقاء رئيس أو مسئول لكان الفرق واضحاً، فأنت الذي تطلب المقابلة، ولو أُتيحت لك حدّد لك الموعد وموضوع الحديث ومكان اللقاء ونهاية اللقاء، فأنت لا تملك من عناصره شيئاً.
أما لقاؤك بربك عز وجل فهو الذي يدعوك لحضرته لا مرة بل خمس مرات في اليوم والليلة، ويفتح لك الباب لأنْ تقول كل ما تريد، وتُنهِي اللقاء متى تحب.
وفي اللقاء يمنحك شحنة إيمانية تُعينك على أمر دينك ودنياك وتصلح ما فسد في نفسك أو خواطرك، وتغفر ما كان منك من صغائر الذنوب وتشرح صدرك ويطمئن بها قلبك.
وقد يسأل سائل: وكيف يحدث لي هذا كله؟
نقول: الله سبحانه غيب، فحين يصلحك يصلحك بغيبه، وحين يعطيك بغيبه من حيث لا تشعر ومن حيث لا تحتسب، لذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قام في الصلاة.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول عن الصلاة:"أرحنا بها يا بلال" وعليك أن تقتدي به، فإذا ضاقت بك الأسباب، وإذا ألمَّ بك هَمّ أو غَمّ فاهرع إلى الصلاة.
وطبيعي أن تكون الاستجابة لأمره تعالى موقوتة بالحياة الدنيا فهي مجال العمل، لذلك قال {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} أي: يوم القيامة الذي لا يرده أحد، ولا يُؤخِّره عن وقته.
{مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ} أي: تلجئون إليه ويحميكم من العذاب {وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ} ينكر عذابكم أو يعارضه ويستنكره.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.