المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ وَعَلَيۡنَا ٱلۡحِسَابُ} (40)

{ إن } شرط دخلت عليها { ما } مؤكدة ، وهي قبل الفعل فصارت في ذلك بمنزلة اللام المؤكدة في القسم التي تكون قبل الفعل في قولك : والله لنخرجن ، فلذلك يحسن أن تدخل النون الثقيلة في قولك : { نرينك } لحلولها هنا محل اللام هنالك ، ولو لم تدخل { ما } لما جاز ذلك إلا في الشعر ، وخص «البعض » بالذكر إذ مفهوم أن الأعمار تقصر عن إدراك جميع ما تأتي به الأقدار مما توعد به الكفار . وكذلك أعطي الوجود ، ألا ترى أن أكثر الفتوح إنما كان بعد النبي عليه السلام و { أو } عاطفة . وقوله : { فإنما } جواب الشرط{[6984]} .

ومعنى الآية : إن نبقك يا محمد لترى أو نتوفينك ، فعلى كلا الوجهين إنما يلزمك البلاغ فقط .

وقوله : { نعدهم } محتمل أن يريد به المضار التي توعد بها الكفار ، فأطلق فيها لفظة الوعد لما كانت تلك المضار معلومة مصرحاً بها ، ويحتمل أن يريد الوعد لمحمد في إهلاك الكفرة ، ثم أضاف الوعد إليهم لما كان في شأنهم .


[6984]:هذا رأي الحوفي، وقد تعقبه أبو حيان في البحر، وقال: و الذي تقدم شرطان، لأن المعطوف على الشرط شرط، فأما كونه جوابا للشرط الأول فليس بظاهر، لأنه لا يترتب عليه، إذ يصير المعنى: "وإما نرينك بعض ما تعدهم من العذاب فإنما عليك البلاغ"، وأما كونه جوابا للشرط الثاني وهو {أو نتوفينك} فكذلك، لأنه يصير التقدير: إما نتوفينك فإنما عليك البلاغ، ولا يترتب وجوب التبليغ عليه عىل وفاته عليه الصلاة والسلام، لأن التكليف ينقطع بعد الوفاة، ويحتاج إلى تأويل، وهوأن يتقدر لكل شرط منهما ما يناسب أن يكون جزاء مترتبا عليه، وذلك أن يكون التقدير والله أعلم:{وإما نرينك} بعض الذي نعدهم من العذاب فذلك شافيك من أعدائك، ودليل على صدقك، إذا أخبرت بما يحل بهم، ولم يعين زمان حلوله بهم، فاحتمل أن يقع ذلك في حياتك، واحتمل أن يقع بهم بعد وفاتك، {أو نتوفينك} أي: إن نتوفينك قبل حلوله بهم فلا لوم عليك ولا عتب، إذ قد حل بهم بعض ما وعد الله به على لسانك من عذابهم، فإنما عليك البلاغ لا حلول العذاب بهم، إذ ذلك راجع إلي، وعلينا جزاؤهم في تكذيبهم إياك وكفرهم بما جئت به". (البحر المحيط 5ـ 399).