روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ وَعَلَيۡنَا ٱلۡحِسَابُ} (40)

{ وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ } أصله إن نريك و { مَا } مزيدة لتأكيد معنى الشرط ، ومن ثمة الحقت النون بالفعل ، قال ابن عطية : ولو كانت { ءانٍ } وحدها لم يجز إلحاق النون ، وهو مخالف لظاهر كلام سيبويه ، قال ابن خروف : أجاز سيبويه الإتيان بما وعدم الإتيان بها والإتيان بالنون مع { مَا } وعدم الإتيان بها ، والإراءة هنا بصرية والكاف مفعول أول وقوله سبحانه : { بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ } مفعول ثان ، والمراد بعض الذي وعدناهم من إنزال العذاب عليهم ، والعدول إلى صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية أو نعدم وعداً متجدداً حسب ما تقتضيه الحكمة من إنذار عقيب إنذار ، وفي إيراد البعض رمز على ما قيل إلى إراءة بعض الموعود { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } قبل ذلك { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ } أي تبليغ أحكام ما أنزلنا عليك وما تضمنه من الوعد والوعيد لا تحقيق مضمون الوعيد الذي تضمنه ذلك ، فالمقصور عليه البلاغ ولهذا قدم الخبر ، وهذا الحصر مستفاد من { إِنَّمَا } لا من التقديم وإلا لانعكس المعنى ، وقوله تعالى : { وَعَلَيْنَا الحساب } الظاهر أنه معطوف على ما في حيز { إِنَّمَا } فيصير المعنى إنما علينا محاسبة أعمالهم السيئة والمؤاخذة بها دون جبرهم على اتباعك أو إنزال ما اقترحوه عليك من الآيات . واعتبر الزمخشري عطفه على جملة { إِنَّمَا * عَلَيْكَ البلاغ } فيصير المعنى وعلينا لا عليك محاسبة أعمالهم ، قيل : وهو الظاهر ترجيحاً للمنطوق على المفهوم إذا اجتمع دليلاً حصر ، وحاصل معنى الآية كيفما دارت الحال أريناك بعض ما وعدناهم من العذاب الدنيوي أو لم نركه فعلينا ذلك وما عليك إلا التبليغ فلا تهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه ونتم ما وعدناك به من الظفر ولا يضجرك تأخره فإن ذلك لما نعلم من المصالح الخفية . وفي «البحر » عن الحوفي أنه قد تقدم في الآية شرطان { نُرِيَنَّكَ } لأن المعطوف على الشرط شرط ، وقوله تعالى : { تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ } لا يصلح أن يكون جواباً للشرط الأول ولا للشرط الثاني لأنه لا يترتب على شيء منهما وهو ظاهر فيحتاج إلى تأويل ، وهو أن يقدر لكل شرط منهما ما يناسب أن يكون جزاء مترتباً عليه ، فيقال والله تعالى أعلم : وإما نرينك بعض الذين نعدهم فذلك شافيك من أعدائك ودليل صدقك وإما نتوفينك قبل حلوله بهم فلا لوم عليك ولا عتب ، ويكون قوله تعالى : { فَإِنَّمَا } الخ دليلاً عليهما ، والواقع من الشرطين هو الأول كما في بدر .