التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ وَعَلَيۡنَا ٱلۡحِسَابُ} (40)

وقوله - سبحانه - { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب } حض له صلى الله عليه وسلم على المضى في دعوته بدون تسويف أو تأجيل .

و " ما " في قوله " وإما نرنيك " مزيدة لتأكيد معنى الشرط ، والأصل : وإن نرك ، والإِراءة هنا بصرية ، والكاف مفعول أول ، وبعض الذي نعدهم : مفعول ثان ، وجواب الشرط ، محذوف .

والمعنى : وإما نرينك - يا محمد - بعض الذي توعدنا به أعداءك من العذاب الدنيوى ، فذاك شفاء لصدرك وصدور أتباعك .

وقوله " أو نتوفينك " شرط آخر لعطفه على الشرط السابق ، وجوابه - أيضا - محذوف والتقدير : أو نتوفينك قبل ذلك فلا تهتم ، واترك الأمر لنا .

وقوله : { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ } تعليل لهذا الجواب المحذوف ، أى : سواء أرأيت عذابهم أم لم تره ، فإنما عليك فقط تبليغ ما أمرناك بتبليغه للناس .

{ وعلينا } وحدنا { الحساب } أى : محاسبتهم ومجازاتهم على أعمالهم السيئة .

وقوله - سبحانه - : { بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ } للإِشارة إلى أن ما يصيبهم من عذاب دنيوى هو بعض العذاب المعد لهم ، أما البعض الآخر وهو عذاب الآخرة فهو أشد وأبقى .

ولقد صدق الله - تعالى - وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم فأراه قبل أن يفارق هذه الدنيا ، جانبا من العذاب الذي أنزله بأعدائه ، فسلط على مشركى مكة الجدب والقحط الذي جعلهم يأكلون العظام والميتة والجلود .

كما سلط عليهم المؤمنين فهزموهم في غزوة بدر وفى غزوة الفتح وفى غيرهما .