البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُ وَعَلَيۡنَا ٱلۡحِسَابُ} (40)

وقال الزمخشري : وإما نرينك ، وكيفما دارت الحال أريناك مصارعهم ، وما وعدناهم من إنزال العذاب عليهم ، أو نتوفينك قبل ذلك ، فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة ، وعلينا لا عليك حسابهم وجزاؤهم على أعمالهم ، فلا يهمنك إعراضهم ، ولا تستعجل بعذابهم انتهى .

وقال الحوفي وغيره : فإنما عليك البلاغ جواب الشرط ، والذي تقدم شرطان ، لأنّ المعطوف على الشرط شرط .

فأما كونه جواباً للشرط الأول فليس بظاهر ، لأنه لا يترتب عليه ، إذ يصير المعنى : وإما نرينك بعض ما نعدهم من العذاب فإنما عليك البلاغ .

وأما كونه جواباً للشرط الثاني هو أو نتوفينك فكذلك ، لأنه يصير التقدير : إن ما نتوفينك فإنما عليك البلاغ ، ولا يترتب وجوب التبليغ عليه على وفاته عليه السلام ، لأنّ التكليف ينقطع بعد الوفاة فيحتاج إلى تأويل وهو : أن يتقدر لكل شرط منهما ما يناسب أن يكون جزاء مترتباً عليه .

وذلك أن يكون التقدير والله أعلم وأنّ ما نرينك بعض الذي نعدهم به من العذاب فذلك شافيك من أعدائك ، ودليل على صدقك ، إذا أخبرت بما يحل بهم .

ولم يعين زمان حلوله بهم ، فاحتمل أن يقع ذلك في حياتك ، واحتمل أن يقع بهم بعد وفاتك أو نتوفينك أي : أو أن نتوفينك قبل حلوله بهم ، فلا لوم عليك ولا عتب ، إذ قد حل بهم بعض ما وعد الله به على لسانك من عذابهم ، فإنما عليك البلاغ لا حلول العذاب بهم .

إذ ذاك راجع إليّ ، وعلينا جزاؤهم في تكذيبهم إياك ، وكفرهم بما جئت به .