المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهۡدٗا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (100)

{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } ( 100 )

قال سيبويه : الواو واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام( {[1006]} ) ، وقال الأخفش : هي زائدة ، وقال الكسائي : هي «أو » وفتحت تسهيلاً ، وقرأها قوم «أوْ » ساكنة الواو فتجيء بمعنى بل( {[1007]} ) ، وكما يقول القائل : لأضربنك فيقول المجيب : أوْ يكفي الله( {[1008]} ) .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذا كله متكلف ، واو في هذا المثل متمكنة في التقسيم ، والصحيح قول سيبويه وقرىء «عهدوا عهداً » وقرأ الحسن وأبو رجاء «عوهدوا » و { عهداً } مصدر ، وقيل : مفعول بمعنى أعطوا عهداً ، والنبذ : الطرح والإلقاء ، ومنه النبيذ والمنبوذ ، والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه ، ويقع على اليسير والكثير من الجمع ، ولذلك فسرت كثرة النابذين بقوله : { بل أكثرهم } لما احتمل الفريق أن يكون الأقل( {[1009]} ) ، و { لا يؤمنون } في هذا التأويل حال من الضمير في { أكثرهم } ، ويحتمل الضمير العود على الفريق ، ويحتمل العود على جميع بني إسرائيل وهو أذم( {[1010]} ) لهم ، والعهد الذي نبذوه هو ما أخذ عليهم في التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي مصحف ابن مسعود «نقضه فريق »( {[1011]} ) .


[1006]:- أي كما دخلت على الفاء في نحو: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم)، وعلى ثم في نحو: (أثم إذا ما وقع) الآية. والتقدير هنا: (أكفروا بالآيات البينات، وكلما عاهدوا؟) الخ، أو (أينكرون فسقهم وكلما عاهدوا عهدا؟) الخ. والاستفهام إنكاري. وهذا هو الصحيح في مثل هذا التركيب.
[1007]:- دل على كونها بمعنى (بل) ما بعدها، وهو قوله تعالى: (بل أكثرهم لا يؤمنون)، ترقيا إلا الأغلظ فالأغلظ.
[1008]:- يأتي على الأثر أن أو في هذا المثال متمكنة في التقسيم وهو كذلك، فهي ليست كما في الآية، والله أعلم.
[1009]:- يعني أن الفريق يقع على القليل والكثير، ولما احتمل أن يكون النابذون للعهد أقلية بين ذلك بقوله تعالى: [بل أكثرهم لا يؤمنون]، فكان النابذون للعهد هم الأكثر، وكان النقض لعهد الله كفرا.
[1010]:- أي أشد وأكثر ذما لهم، من عوده على الفريق.
[1011]:- هي قراءة مخالفة لسواد المصحف، فالأولى حملها على التفسير. قاله أبو (ح).