المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{۞وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا} (21)

ثم أخبر عن مقالة الكفار { لولا أنزل علينا الملائكة } الآية ، وقوله { يرجون } قال أبو عبيدة وقوم معناه يخافون والشاهد لذلك قول الهذلي : [ الطويل ]

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها . . . وخالفها في بيت نوب عوامل{[8805]}

قال القاضي أبو محمد : والذي يظهر لي أن الرجاء في هذه الآية والبيت على بابه لأن خوف لقاء الله تعالى مقترن أبداً برجائه ، فإذا نفي الرجاء عن أحد فإنما أخبر عنه أنه مكذب بالبعث لنفي الخوف والرجاء ، وفي ذكر الكفار بنفي الرجاء تنبيه على غبطة ما فاتهم من رجاء الله تعالى ، وأما بيت الشعر المذكور فمعناه عندي لم يرج دفعها ولا الانفكاك عنها فهو لذلك يوطن على الصبر ويجد في شغله ، ولما تمنت كفار قريش رؤية ربهم أخبر تعالى عنهم أنهم عظموا أنفسهم وسألوا ما ليسوا به بأهل ، { وعتوا } ، معناه صعبوا عن الحق واشتدوا ، ويقال عتو وعتي على الأصل ، وعتي معلول باستثقال الضم على الواو فقلبت ياء ثم كسر ما قبلها طلب التناسب{[8806]} .


[8805]:لم يرج: لم يخف ولم يبال، وخالفها (بالخاء): جاء إلى عسلها وهي غائبة ترعى وقد سرحت، خالفها إلى العسل، ويروى: حالفها (بالحاء المهملة) والمعنى: رزمها، ونوب: تنتاب المرعى فتأكل ثم ترجع فتعسل، وقال أبو عبيدة: إنما سميت نوبا لسواد فيها، ونوب: لا واحد له من لفظه، وقيل: بل هو نائب ونوب، مثل: عائذ وعوذ، والبيت من قصيدة له مطلعها: أساءلت رسم الدار أم لم تسائل عن السكن أو عن عهده بالأوائل؟
[8806]:جاءت الآية هنا عتوا: {وعتوا عتوا كبيرا} بالواو، وهذا على الأصل، وفي سورة مريم بالياء في قوله تعالى: {وقد بلغت من الكبر عتيا} على استثقال اجتماع الواوين والقلب لمناسبة الفواصل. هذا ما ذكره أبو حيان وابن عطية، وقال الفراء: وجاز أن يكون المصدر بالياء أيضا لأن المصدر والأسماء تتفق في هذا المعنى، ألا ترى أنهم يقولون: قاعد وقوم قعود، وقعدت قعودا، فلما استويا هاهنا في القعود لم يبالوا أن يستويا في العتو والعتي.