المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَسۡمَعُواْ لِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡاْ فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ} (26)

قوله عز وجل : { لا تسمعوا لهذا القرآن } .

حكاية لما فعله بعض قريش كأبي جهل ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن في المسجد الحرام ويصغي إليه الناس من مؤمن وكافر ، فخشي الكفار استمالة القلوب بذلك ، فقالوا : متى قرأ محمد فلنلغط نحن بالمكاء والصفير والصياح وإنشاد الشعر والأرجاز حتى يخفى صوته ولا يقع الاستماع منه{[10068]} ، وهذا الفعل منهم هو اللغو .

وقال أبو العالية أرادوا : قعوا فيه وعيبوه . واللغو في اللغة : سقط القول الذي لا معنى له ، وهو من الخساسة والبطول في حكم لا معنى له .

وقرأ جمهور الناس : «والغَوا » بفتح الغين وجزم الواو . وقرأ بكر بن حبيب السهمي : «الغُوا » بضم الغين وسكون الواو ، ورويت عن عيسى وابن أبي إسحاق بخلاف عنهما وهما لغتان ، يقال لغا يلغو ، ويقال لغى يلغي ، ويقال أيضاً لغى يلغى ، أصله يفعِل بكسر العين ، فرده حرف الحلق إلى الفتح ، فالقراءة الأولى من يلغى ، والقراءة الثانية من يلغو ، قاله الأخفش .

وقوله : { لعلكم تغلبون } أي تطمسون أمر محمد عليه السلام وتميتون ذكره وتصرفون القلوب عنه ، فهذه الغاية التي تمنوها .


[10068]:المكاء: الصفير، يقال: مكا مكاء: صفر بفيه، أو شبك بأصابع يديه ثم أدخلهما في فيه ونفخ فيها. وهذا الخبر أخرجه ابن جرير عن مجاهد.