المسألة الثانية : اختلفوا في المراد بقوله { فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم } وذكر الزجاج فيه وجهين : ( الأول ) زينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الآخرة أنه لا بعث ولا جنة ولا نار وما خلفهم من أمر الدنيا ، فزينوا أن الدنيا قديمة ، وأنه لا فاعل ولا صانع إلا الطبائع والأفلاك ( الثاني ) زينوا لهم أعمالهم التي يعملونها ويشاهدونها وما خلفهم وما يزعمون أنهم يعملونه ، وعبر ابن زيد عنه ، فقال زينوا لهم ما مضى من أعمالهم الخبيثة وما بقي من أعمالهم الخسيسة .
ثم قال تعالى : { وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين } فقوله في أمم في محل النصب على الحال من الضمير في عليهم ، والتقدير حق عليهم القول حال كونهم كائنين في جملة { أمم } من المتقدمين { إنهم كانوا خاسرين } واحتج أصحابنا أيضا بأنه تعالى أخبر بأن هؤلاء { حق عليهم القول } فلو لم يكونوا كفارا لانقلب هذا القول الحق باطلا وهذا العلم جهلا ، وهذا الخبر الصدق كذبا ، وكل ذلك محال ومستلزم المحال محال ، فثبت أن صدور الإيمان عنهم ، وعدم صدور الكفر عنهم محال .
واعلم أن الكلام في أول السورة ابتدئ من قوله { وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه } إلى قوله { فاعمل إننا عاملون } فأجاب الله تعالى عن تلك الشبهة بوجوه من الأجوبة ، واتصل الكلام بعضه بالبعض إلى هذا الموضع ، ثم إنه حكى عنهم شبهة أخرى فقال : { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه لعلكم تغلبون } ، قال صاحب «الكشاف » قرئ { والغوا فيه } بفتح الغين وضمها يقال لغي يلغي ولغا يلغو واللغو الساقط من الكلام الذي لا طائل تحته .
واعلم أن القوم علموا أن القرآن كلام كامل في المعنى ، وفي اللفظ وأن كل من سمعه وقف على جزالة ألفاظه ، وأحاط عقله بمعانيه ، وقضى عقله بأنه كلام حق واجب القبول ، فدبروا تدبيرا في منع الناس عن استماعه ، فقال بعضهم لبعض { لا تسمعوا لهذا القرءان } إذا قرئ وتشاغلوا عند قراءته برفع الأصوات بالخرافات والأشعار الفاسدة والكلمات الباطلة ، حتى تخلطوا على القارئ وتشوشوا عليه وتغلبوا على قراءته ، كانت قريش يوصي بذلك بعضهم بعضا ، والمراد افعلوا عند تلاوة القرآن ما يكون لغوا وباطلا ، لتخرجوا قراءة القرآن عن أن تصير مفهومة للناس ، فبهذا الطريق تغلبون محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهذا جهل منهم لأنهم في الحال أقروا بأنهم مشتغلون بالغو والباطل من العمل والله تعالى ينصر محمدا بفضله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.