محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَسۡمَعُواْ لِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡاْ فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ} (26)

{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء } أي بعثنا لهم نظراء من الشياطين اقترنوا بهم { فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } أي حسّنوا لهم أعمالهم كلها ، الحاضرة والمستقبلة . فالطرفان كناية عن الجميع ، أو ما بين أيديهم من جرائم الدنيا ، وما خلفهم من التكذيب بالمعاد . قال الشهاب : وتفسير أمور الدنيا بما بين أيديهم ، لحضورها عندهم ، كالشيء الذي بين يديك تقلّبه كيف تشاء . والآخرة بما خلفهم ، لعدم مشاهدتها ، كالشيء الذي خلفك ، أو لكونها ستلحق بهم . وقد يعكس فيجعل ما بين أيديهم الآخرة لأنها مستقبلة ، وما خلفهم الدنيا لمضيها وتركها ، كما مرّ قريبا .

وقال القاشانيّ في تفسير الآية : أي قدرنا لهم أخدانا وأقرانا من شياطين الإنس أو الجن ، من الوهم والتخيل ، لتباعدهم من الملأ الأعلى ، ومخالفتهم بالذات للنفوس القدسية والأنوار الملكوتية ، بانغماسهم في المواد الهيولانية . واحتجابهم بالصفات النفسانية ، وانجذابهم إلى الأهواء البدنية والشهوات الطبيعية . فناسبوا النفوس الأرضية الخبيثة والكدرة المظلمة . وخالفوا الجواهر القدسية . فجعلت الشياطين أقرانهم وحجبوا عن نور الملكوت { فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } أي ما بحضرتهم من اللذات البهيمية والسبعية ، والشهوات الطبيعية { وما خلفهم } أي من الآمال والأماني التي لا يدركونها { وحق عليهم القول } أي في القضاء الإلهي ، بالشقاء الأبديّ { فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم } من المكذبين / بأنبيائهم ، الضالين المضلين { مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ }{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي ستروا زينة أدلة القرآن عن أتباعهم ، الذين زينوا لهم شبهاتهم الواهية { لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ } أي إذا قرأه ، ولا تصغوا له ، كيلا يؤثر عليكم وعظه { والغوا فيه } أي ائتوا باللغو عند قراءته ، ليختلط . فلا يمكنه القراءة . والمراد باللغو ما لا أصل له . أو ما لا معنى له { لعلكم تغلبون } أي تصدون من أراد استماعه ، عن استماعه ، فلا يسمعه . وإذا لم يسمعه ، ولم يفهمه ، لم يتبعه . فتغلبون بكيدكم هذا حججه ، التي يغلب بها عقولكم .