المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَٱلۡمُرۡسَلَٰتِ عُرۡفٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المرسلات{[1]}

بسم الله الرحمن الرحيم سورة المرسلات وهي مكية في قول جمهور المفسرين وحكى النقاش انه قيل إن فيها من المدني قوله ‘ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون{[2]} ‘ المرسلات 48 على قول من قال إنها حكاية عن حال المنافقين في القيامة وإنها بمعنى قوله تعالى ‘ يدعون الى السجود فلا يستطيعون{[3]} ‘ القلم 42 وقال ابن مسعود نزلت هذه السورة ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء الحديث بطوله{[4]}

قال كثير من المفسرين : { المرسلات } ، الرسل إلى الناس من الأنبياء كأنه قال : والجماعات المرسلات ، وقال أبو صالح ومقاتل وابن مسعود : { المرسلات } الملائكة المرسلة بالوحي ، وبالتعاقب على العباد طرفي النهار ، وقال ابن مسعود أيضاً وابن عباس ومجاهد وقتادة : { المرسلات } ، الرياح ، وقال الحسن بن أبي الحسن : { المرسلات } السحاب و { عرفاً } معناه على القول الأول { عرفاً } من الله وإفضالاً{[11541]} على عباده ببعثه الرسل .

ومنه قول الشاعر : [ الحطيئة ] : [ البسيط ]

من يفعل الخير لا يعدمْ جوازيَهُ*** لا يذهب العرف بين الله والناس{[11542]}

ويحتمل أني ريد بقوله { عرفاً } أي متتابعة على التشبيه بتتابع عرف الفرس وأعراف الجبال ونحو ذلك ، والعرب تقول : الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه ، ويحتمل أن يريد بالعرف أي بالحق ، والأمر بالمعروف ، وهذه الأقوال في عرف تتجه في قول من قال في { المرسلات } إنها الملائكة ، ومن قال إن { المرسلات } الرياح اتجه في العرف القول الأول على تخصيص الرياح التي هي نعمة وبها الأرزاق والنجاة في البحر وغير ذلك مما لا فقه فيه .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[11541]:الإفضال: الإحسان، يقال: أفضل الرجل على فلان بمعنى: أناله من فضله وأحسن إليه. (لسان العرب).
[11542]:البيت للحطيئة، وهو في ديوانه، وفي اللسان، وهو من الأبيات المشهورة في قيمة المعروف وأثره بين الناس، قال ابن جني: "ظاهر هذا أن تكون (جوازيه) جمع جاز، أي: لا يعدم جزاء عليه، وجاز أن يجمع جزاء على جواز لمشابهة اسم الفاعل للمصدر، فكما جمع سيل على سوائل كذلك يجوز أن يكون جوازيه جمع جزاء". والعرف: المعروف، وهو خلاف المنكر أو ما يستحسن من الأفعال، وفي الحديث الشريف: (أهل المعارف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة).