المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا} (7)

وصف الله تعالى حال الأبرار أنهم كانوا { يوفون بالنذر } ، أي بكل ما نذروه وأعطوا به عهداً{[11504]} ، يقال وفى الرجل وأوفى ، و «اليوم » المشار إليه يوم القيامة ، و { مستطيراً } معناه متصلاً شائعاً كاستطارة الفجر والصدع في الزجاجة ، وبه شبه في القلب ، ومن ذلك قول الأعشى : [ المتقارب ]

فبانت وقد أسأرت في الفؤاد*** صدعاً على نأيها مستطيرا{[11505]}

وقول ذي الرمة : [ الوافر ]

أراد الظاعنون لحيزنوني*** فهاجوا صدع قلبي فاستطاروا{[11506]}


[11504]:النذر هو إيجاب المكلف على نفسه من الطاعات ما لو لم يوجبه لم يلزمه، فهو يوجب على نفسه شيئا غير واجب عليه، وقد قال قتادة: المراد: يوفون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغيره من الواجبات، ويقوي هذا قوله تعالى: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم) أي أعمال نسكهم التي ألزموا بها أنفسهم حين أحرموا بالحج، ومعنى هذا أن النذر يندرج فيه ما التزمه المرء بإيمانه من امتثال أمر الله، قال ذلك القشيري ونقله عنه القرطبي.
[11505]:هذا البيت من قصيدة قالها الأعشى يمدح هوذة بن علي الحنفي، وبعده يقول: كصدع الزجاجة ما تستطيـ ـع كف الصناع لها أن تحيرا والبين: البعد والفراق، والصدع: الشق في الشيء الصلب، ثم استعمل في القلب تجوزا، والنأي: البعد، ومستطيرا: منتشرا شائعا، والصناع: الماهر في الصنعة، وأن تحيرا: أن تصلحها وترجعها كما كانت، والشاهد استعمال كلمة مستطيرا بمعنى الانتشار والاستطالة في بيان ما يحدثه ألم الفراق في القلب تشبيها له بالزجاجة. والبيت في الطبري، وابن كثير، والقرطبي، والشوكاني.
[11506]:الحزن: نقيض الفرح، وتقول: حزنني وأحزنني، وصدع القلب كناية عما حدث فيه من آلام وأحزان، واستطار: انتشر وتشعب واستطال، والشاهد هو ما ذكرناه في البيت السابق.