تأييد لأمره بأن يقول للمشركين تلكَ المقالة مقالةً إنكار أن يطمعوا منه في عبادة الله ، بأنه قول استحقوا أن يُرمَوا بغلظته لأنهم جاهلون بالأدلة وجاهلون بنفس الرسول وزكائها . وأعقب بأنهم جاهلون بأن التوحيد هو سنة الأنبياء وأنهم لا يتطرق الإِشراك حوالي قلوبهم ، فالمقصود الأهم من هذا الخبر التعريض بالمشركين إذ حاولوا النبي صلى الله عليه وسلم على الاعتراف بإلهية أصنامهم .
والواو عاطفة على جملة { قُلْ } [ الزمر : 64 ] . وتأكيدُ الخبر بلام القسم وبحرف ( قد ) تأكيد لما فيه من التعريض للمشركين .
والوحي : الإِعلام من الله بواسطة الملَك . والذين من قبله هم الأنبياء والمرسلون . فالمراد القبلية في صفة النبوءة فالذين من قبلك } مراد به الأنبياء .
وجملة { لئن أشركت ليحبطن عملك } مبيّنة لمعنى أُوحي كقوله تعالى : { فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد } [ طه : 120 ] .
والتاء في { أشْرَكت } تاء الخطاب لِكل من أوحي إليه بمضمون هذه الجملة من الأنبياء فتكون الجملة بياناً لما أوحي إليه وإلى الذين من قبله . ويجوز أن يكون الخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم فتكون الجملة بياناً لجملة { أُوحِي إليك } ، ويكون { وإلى الذين من قبلِكَ } اعتراضاً لأن البيان تابع للمبين عمومه ونحوه . وأيًّا مَّا كان فالمقصود بالخطاب تعريض بقوممِ الذي أوحى إليه لأن فرض إشراك النبي صلى الله عليه وسلم غير متوقَّع . واللام في { لَئِن أشركت } موطئة للقسم المحذوف دالة عليه ، واللام في { لَيَحْبَطن } لام جواب القسم .
والحَبط : البطلان والدحض ، حَبِط عملُه : ذهب باطلاً . والمراد بالعمل هنا : العملَ الصالح الذي يرجى منه الجزاء الحسن الأبدي .
ومعنى حَبطه : أن يكون لغواً غير مُجازى عليه . وتقدم حكم الإِشراك بعد الإِيمان ، وحكم رجوع ثواب العمل لصاحبه إن عاد إلى الإِيمان بعد أن أَبطل إيمانه عند قوله تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمتْ وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } في سورة [ البقرة : 217 ] .
ثم عطف عليه أن صاحب الإشراك من الخاسرين ، شبه حاله حينئذٍ بحال التاجر الذي أخرج مالاً ليربح فيه زيادةَ مال فعاد وقد ذهب ماله الذي كان بيده أو أكثرُه ، فالكلامُ تمثيل لحال من أشرك بعد التوحيد فإن الإِشراك قد طلب به مبتكروه زيادة القرب من الله إذ قالوا : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] { ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه } [ يونس : 18 ] فكان حالهم كحال التاجر الذي طلب الزيادة على ما عنده من المال ولكنه طلب الربح من غير بابه ، فباء بخسرانه وتبابه . وفي تقدير فرض وقوع الإشراك من الرسول والذين مَن قبله مع تحقق عصمتهم التنبيهُ على عظم أمر التوحيد وخطر الإشراك ليعلم الناس أن أعلى الدرجات في الفضل لو فرض أن يأتي عليها الإِشراك لما أبقى منها أثراً ولدحضها دحضاً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك} من الأنبياء {لئن أشركت} بعد التوحيد.
{ولتكونن من الخاسرين} في العقوبة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وَإلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ" يقول تعالى ذكره: ولقد أوحى إليك يا محمد ربك، وإلى الذين من قبلك من الرسل "لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ "يقول: لئن أشركت بالله شيئا يا محمد، ليبطلنّ عملك، ولا تنال به ثوابا، ولا تدرك جزاء إلا جزاء من أشرك بالله، وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم، ومعنى الكلام: ولقد أوحي إليك لئن أشركت ليحبطنّ عملك، ولتكونن من الخاسرين، وإلى الذين من قبلك، بمعنى: وإلى الذين من قبلك من الرسل من ذلك، مثل الذي أوحى إليك منه، فاحذر أن تشرك بالله شيئا فتهلك.
ومعنى قوله: "وَلَتَكُونَنّ مِنَ الخاسِرِينَ" ولتكونن من الهالكين بالإشراك بالله إن أشركت به شيئا.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: كيف صحّ هذا الكلام مع علم الله أنّ رسله لا يشركون ولا تحبط أعمالهم؟ قلت: هو على سبيل الفرض، والمحالات يصحّ فرضها لأغراض...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان التقديم يدل على الاختصاص، وكانوا لم يدعوه للتخصيص، بل للكف المقتضي للشرك، بين أنه تخصيص من حيث أن الإله غني عن كل شيء، فهو لا يقبل عملاً فيه شرك، ومتى حصل أدنى شرك كان في ذلك العمل كله للذي أشرك، فكان التقدير بياناً لسبب أمره بأن يقول لهم ما تقدم منكراً عليهم: قل كذا، فلقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك وجوب التوحيد، فعطف عليه قوله مؤكداً لأجل ما استقر في النفوس من أن من عمل لأحد شيئاً قبل، سواء كان على وجه الشركة أولا: {ولقد} ولما كان الموحي معلوماً له صلى الله عليه وسلم، بني للمفعول قوله:
ولما كان التعميم أدعى إلى التقبل قال: {وإلى الذين}.
ولما كان الإرسال إنما هو في بعض الزمان لبعض الناس قال: {من قبلك}.
ولما كان الموحى إليهم أنه من أشرك حبط عمله سواء كان هو أو غيره، صح قوله بالإفراد موضع نحو أن الإشراك محبط للعمل وقائم مقام الفاعل، وعدل عنه إلى ما ذكر؛ لأنه أعظم في النهي وأقعد في الزجر لمن يتأهل له من الأمة، وأكد لأن المشركين ينكرون معناه غاية الإنكار: {لئن} أي أوحى إلى كل منكم هذا اللفظ وهو وعزتي لئن {أشركت} أي شيئاً من الأشياء في شيء من عملك بالله، والفعل بعد إن الشرطية للاستقبال، فعدل هنا عن التعبير بالمضارع للمطابقة بين اللفظ والمعنى؛ لأن الآية سيقت للتعريض بالكفار فكان التعبير بالماضي أنسب ليدل بلفظه على أن من وقع منه شرك فقد خسر، وبمعناه على أن الذي يقع منه ذلك فهو كذلك.
ولما تقرر الترهيب أجاب الشرط والقسم بقوله: {ليحبطن} أي ليفسدن فيبطلن عملك فلا يبقى له أثراً ما من جهة القادر؛ فلأنه أشرك به فيه وهو غني لا يقبل إلا الخالص؛ لأنه لا حاجة به إلى شيء، وأما من جهة غيره فلأنه لا يقدر على شيء.
ولما كان السياق للتهديد، وكانت العبادة شاملة لما تقدم على الشرك من الأعمال وما تأخر عنه، لم يقيده بالاتصال بالموت اكتفاء بتقييده في آية البقرة وقال:
{من الخاسرين} فإنه من ذهب جميع عمله لا شك في خسارته.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يعقب عليه بتحذير من الشرك. يبدأ أول ما يبدأ بالأنبياء والمرسلين. وهم -صلوات الله عليهم- لا يتطرق إلى قلوبهم طائف الشرك أبداً. ولكن التحذير هنا ينبه سواهم من أقوامهم إلى تفرد ذات الله سبحانه في مقام العبادة، وتوحد البشر في مقام العبودية، بما فيهم الأنبياء والمرسلون
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تأييد لأمره بأن يقول للمشركين تلكَ المقالة مقالةً إنكار أن يطمعوا منه في عبادة الله، بأنه قول استحقوا أن يُرمَوا بغلظته؛ لأنهم جاهلون بالأدلة وجاهلون بنفس الرسول وزكائها. وأعقب بأنهم جاهلون بأن التوحيد هو سنة الأنبياء، وأنهم لا يتطرق الإِشراك حوالي قلوبهم، فالمقصود الأهم من هذا الخبر التعريض بالمشركين إذ حاولوا النبي صلى الله عليه وسلم على الاعتراف بإلهية أصنامهم.
والواو عاطفة على جملة {قُلْ} [الزمر: 64]. وتأكيدُ الخبر بلام القسم وبحرف
(قد) تأكيد لما فيه من التعريض للمشركين.
والوحي: الإِعلام من الله بواسطة الملَك.
واللام في {لَئِن أشركت} موطئة للقسم المحذوف دالة عليه، واللام في {لَيَحْبَطن} لام جواب القسم.. والمراد بالعمل هنا: العملَ الصالح الذي يرجى منه الجزاء الحسن الأبدي. ثم عطف عليه أن صاحب الإشراك من الخاسرين، شبه حاله حينئذٍ بحال التاجر الذي أخرج مالاً ليربح فيه زيادةَ مال فعاد وقد ذهب ماله الذي كان بيده أو أكثرُه، فالكلامُ تمثيل لحال من أشرك بعد التوحيد؛ فإن الإِشراك قد طلب به مبتكروه زيادة القرب من الله إذ قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] فكان حالهم كحال التاجر الذي طلب الزيادة على ما عنده من المال ولكنه طلب الربح من غير بابه، فباء بخسرانه وتبابه.
وفي تقدير فرض وقوع الإشراك من الرسول والذين مَن قبله مع تحقق عصمتهم التنبيهُ على عظم أمر التوحيد وخطر الإشراك؛ ليعلم الناس أن أعلى الدرجات في الفضل، لو فرض أن يأتي عليها الإِشراك لما أبقى منها أثراً ولدحضها دحضاً...