معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمۖ بَلۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٱلۡجِنَّۖ أَكۡثَرُهُم بِهِم مُّؤۡمِنُونَ} (41)

قوله تعالى : { قالوا سبحانك } تنزيهاً لك ، { أنت ولينا من دونهم } أي : نحن نتولاك ولا نتولاهم ، { بل كانوا يعبدون الجن } يعني : الشياطين ، فإن قيل لهم كانوا يعبدون الملائكة فكيف وجه قوله : { يعبدون الجن } قيل : أراد الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة ، فهم كانوا يطيعون الشياطين في عبادة الملائكة ، فقوله { يعبدون } أي : يطيعون الجن ، { أكثرهم بهم مؤمنون } يعني : مصدقون للشياطين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمۖ بَلۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٱلۡجِنَّۖ أَكۡثَرُهُم بِهِم مُّؤۡمِنُونَ} (41)

وإذا قال الله تعالى للملائكة هذه المقالة قالت الملائكة { سبحانك } أي تنزيهاً لك عما فعل هؤلاء الكفرة ، ثم برؤوا أنفسهم بقولهم { أنت ولينا من دونهم } يريدون البراءة من أن يكون لهم رضى أو علم أو مشاركة في أن يعبدهم البشر ، ثم قرروا البشر إنما عبدت الجن برضى الجن وبإغوائها للبشر فلم تنف الملائكة عبادة البشر . إياها وإنما قررت أنها لم تكن لها في ذلك مشاركة ، ثم ذنبت الجن ، وعبادة البشر للجن هي فيما نعرفه نحن بطاعتهم إياهم وسماعهم من وسوستهم وإغوائهم ، فهذا نوع من العبادة ، وقد يجوز إن كان في الأمم الكافرة من عبد الجن ، وفي القرآن آيات يظهر منها أن الجن عبدت في سورة الأنعام وغيرها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمۖ بَلۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٱلۡجِنَّۖ أَكۡثَرُهُم بِهِم مُّؤۡمِنُونَ} (41)

مورد التنزيه في قول الملائكة { سبحانك } هو أن يكون غير الله مستحقاً أن يعبد ، مع لازم الفائدة وهو أنهم يعلمون ذلك فلا يضرون بأن يكونوا مَعبودين .

والولي : الناصر والحَليف والصديق ، مشتق من الوَلْي مصدر وَلِيَ بوزن عَلِم . وكلٌّ من فاعل الوَلْي ومفعوله وليّ لأن الوَلاية نسبة تستدعي طرفين ولذلك كان الولي فعيلاً صالحاً لمعنى فاعل ولمعنى مفعول .

فيقع اسم الولِيّ على المُوالِي بكسر اللام وعلى المُوالَى بفتحها وقد ورد بالمعنيين في القرآن وكلام العرب كثيراً .

فمعنى { أنت ولينا } لا نوالي غيرك ، أي لا نرضى به وليّاً ، والعبادةُ ولاية بين العابد والمعبود ، ورضَى المعبود بعبادة عابده إياه ولايةٌ بين المعبود وعابده ، فقول الملائكة { سبحانك } تبرؤ من الرضى بأن يعبدهم المشركون لأن الملائكة لما جعلوا أنفسهم موالين لله فقد كذبوا المشركين الذين زعموا لهم الإِلهية ، لأن العابد لا يكون معبوداً . وقد تقدم الكلام على لفظ ( ولي ) عند قوله تعالى : { قل أغير اللَّه أتخذ ولياً } في سورة الأنعام ( 14 ) وفي آخر سورة الرعد .

و{ مِن } زائدة للتوكيد و ( دون ) اسم لمعنى غير ، أي أنت ولينا وهم ليسوا أولياء لنا ولا نرضى بهم لكفرهم ف { من دونهم } تأكيد لما أفادته جملة { أنت ولينا } من الحَصر لتعريف الجزأين .

و { بل } للإِضراب الانتقالي انتقالاً من التبرؤ منهم إلى الشهادة عليهم وعلى الذين سَوّلوا لهم عبادة غير الله تعالى ، وليس إضراب إبطال لأن المشركين المتحدث عنهم كانوا يعبدون الملائكة ، والمعنى : بل كان أكثر هؤلاء يعبدون الجن وكان الجنّ راضين بعبادتهم إياهم . وحاصل المعنى : أنا منكرون عبادتهم إياناً ولم نأمرهم بها ولكن الجن سوّلت لهم عبادة غير الله فعبدوا الجن وعبدوا الملائكة .

وجملة { أكثرهم } للمشركين وضمير { بهم } للجن ، والمقام يردّ كل ضمير إلى معاده ولو تماثلت الضمائر كما في قول عباس بن مرداس يوم حنين :

عُدنا ولولا نحن أحدق جمعهم *** بالمسلمين وأحرزوا ما جَمَّعوا

أي أحرز جَمْع المشركين ما جَمَّعه المسلمون من مغانم .

وقرأ الجمهور { نحشرهم } و { نقول } بنون العظمة . وقرأ حفص عن عاصم بياء الغائب فيهما ، والضمير عائد إلى { ربي } من قوله : { قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له } [ سبأ : 39 ] .