السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمۖ بَلۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٱلۡجِنَّۖ أَكۡثَرُهُم بِهِم مُّؤۡمِنُونَ} (41)

وقد علم سبحانه كون الملائكة وعيسى منزهين براء مما وجه عليهم من السؤال الوارد على طريق التقرير والغرض أن يقول ويقولوا ، ويسأل ويجيبوا فيكون تقريعهم أشد وتعييرهم أبلغ وخجلهم أعظم ولذلك : { قالوا } أي : الملائكة متبرئين منهم مفتتحين بالتنزيه تخضعاً بين يدي البراءة خوفاً { سبحانك } أي : تنزهك تنزيهاً يليق بجلالك عن أن يستحق أحد غيرك أن يعبد { أنت ولينا } أي : معبودنا الذي لا وصلة بيننا وبين أحد إلا بأمره { من دونهم } أي : ليس بيننا وبينهم ولاية بل عداوة ، وكذا كان من تقرب إلى شخص بمعصية الله تعالى فإنه يقسى الله تعالى قلبه عليه ويبغضه فيه فيجافيه ويعاديه .

ثم أضربوا عن ذلك ونفوا أنهم عبدوهم على الحقيقة بقولهم { بل كانوا يعبدون الجن } أي : إبليس وذريته الذين زينوا لهم عبادتنا من غير رضانا بذلك ، وكانوا يدخلون في أجواف الأصنام ويخاطبونهم ويستجيرون بهم في الأماكن المخوفة ، ومن هذا : «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد القطيفة » .

وقيل : صورت الشياطين لهم صور قوم من الجن وقالوا : هذه صور الجن فاعبدوها ثم استأنفوا قولهم { أكثرهم } أي : الإنس { بهم } أي : الجن { مؤمنون } أي : راسخون في الإشراك لا يقصدون بعبادتهم غيرهم .

وقيل : الضمير الأول للمشركين والأكثر : بمعنى الكل وقيل : منهم من يقصد بعبادته بتزيين الجن غيرهم وهم مع ذلك يصدقون ما يرد عليهم من إخبارات الجن على ألسنة الكهان وغيرهم مع ما يرون فيها من الكذب في كثير من الأوقات .