اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمۖ بَلۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٱلۡجِنَّۖ أَكۡثَرُهُم بِهِم مُّؤۡمِنُونَ} (41)

فتتبرأ منهم الملائكة فيقولون : «سُبْحَانَكَ » تنزيهاً لك «أنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ » أي نحن نتولاك ولا نتولاهم يعني كونك ولي بالعبودية أولى وأحب إلينا من كونهم أولياءنا بالعبادة لنا فقالوا : «( بَلْ ){[44767]} كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ » أي الشياطين فهم في الحقيقة كانوا يعبدون الجن ونحن ( كنا ){[44768]} كالقِبْلة لهم .

فإن قيل : فهم كانوا يعبدون الملائكة فما وجه قولهم يعبدون الجن ؟ قيل : أراد أن الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة فهم كانوا يُطيعون الشياطين في عبادة الملائكة فقوله : «يعبدون » أي يطيعون الجن والعبادة هي الطاعة «أكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ » أي مصدِّقون الشياطين .

فإن قيل : جميعهم كانوا متابعين للشياطين فما وجه قوله : { أكْثَرُهُمْ بِهِمْ } فإنه يدل على أنَّ بَعْضَهُم لم يؤمن بهم ولم يُطِعْهُمْ ؟

فالجواب من وجهين :

أحدهما : أن الملائكة أحتزوا عن ( دَعْوى ){[44769]} الإحاطة بهم فقالوا : أكثرهم لأنَّ الَّذِين رأوهم واطلعوا{[44770]} على أحوالهم كانوا يعبدون الجنَّ ويؤمنون بهم ولعلَ في الوجود من لم يُطْلع الله الملائكة عليه من الكفار .

الثاني : هو أن العبادة علم ظاهر والإيمان عمل باطن فقالوا بل يعبدون الجن لاِّطلاعهم على أعمالهم وقالوا أكثرهم بهم مؤمنون عند عمل القلب لئلا يكونوا مدعين اطّلاعهم على ما في القلوب فإن القلب لا يطلع على من فيه إلا الله كما قال :

{ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } [ هود : 5 ] .


[44767]:سقط من (ب).
[44768]:سقط من (ب).
[44769]:سقط من (أ).
[44770]:في (ب) وأطاعوهم.