محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمۖ بَلۡ كَانُواْ يَعۡبُدُونَ ٱلۡجِنَّۖ أَكۡثَرُهُم بِهِم مُّؤۡمِنُونَ} (41)

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ* قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } قال الزمخشري هذا الكلام خطاب للملائكة وتقريع للكفار ، وارد على المثل السائر : ( إياك أعني واسمعي يا جارة ) ونحوه قوله تعالى : {[6297]} { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } وقد علم سبحانه كون الملائكة وعيسى منزهين برآء مما وجه عليهم من السؤال الوارد على طريق التقرير . والغرض أن يقول ويقولوا ، ويسأل ويجيبوا . فيكون تقريعهم أشد ، وتعبيرهم أبلغ ، وخجلهم أعظم ، وهو أنهم ألزم . ويكون اقتصاص ذلك لطفا لمن سمعه ، وزاجرا لمن اقتص عليه . انتهى .

وتخصيص الملائكة ، لأنهم أشرف الأنداد عند مشركي العرب . ولأن عبادتهم مبدأ الشرك وأصله . لزعمهم أن الأوثان على صور الهياكل العلوية المقربة . فتكون شفعاء لهم . وقوله تعالى : { أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون } أي : أبإذنكم كان ذلك . كما قال تعالى :{[6298]} { أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل } وكما يقول تعالى لعيسى عليه السلام{[6299]} { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك } وهكذا تقول/ الملائكة { سبحانك } أي تعاليت وتقدست عن أن يكون معك إله { أنت ولينا من دونهم } أي أنت الذي نواليه من دونهم ، إذ لا موالاة بيننا وبينهم . فنبرأ إليك منهم . بينوا بإثبات موالاة الله ومعادة الكفار ، براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم . وقولهم { بل كانوا يعبدون الجن } أي الشياطين ، لأنهم هم الذين زينوا لهم عبادة الأوثان وأضلوهم . والضمير الأول في قولهم { أكثرهم بهم مؤمنون } للإنس أو للمشركين . والأكثر بمعنى الكل والثاني للجن .


[6297]:[5/المائدة/116].
[6298]:[25/الفرقان/17].
[6299]:[5/المائدة/116]