معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا} (11)

قوله تعالى : { سيقول لك المخلفون من الأعراب } قال ابن عباس ، ومجاهد : يعني أعراب بني غفار ومزينة وجهينة ، وأشجع وأسلم ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمراً استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب ، أو يصدوه عن البيت ، فأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حرباً ، فتثاقل عنه كثير من الأعراب وتخلفوا واعتلوا بالشغل ، فأنزل الله تعالى فيهم : { سيقول لك المخلفون من الأعراب } يعني الذين خلفهم الله عز وجل عن صحبتك ، فإذا انصرفت من سفرك إليهم فعاتبهم على التخلف عنك { شغلتنا أموالنا وأهلنا } يعني النساء والذراري ، أي لم يكن لنا من يخلفنا فيهم . { فاستغفر لنا } تخلفنا عنك ، فكذبهم الله عز وجل في اعتذارهم ، فقال : { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } من أمر الاستغفار ، فإنهم لا يبالون أستغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم أو لا . { قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً } سوءا { أو أراد بكم نفعا } قرأ حمزة والكسائي : { ضراً } بضم الضاد ، وقرأ الآخرون بفتحها لأنه قابله بالنفع ، والنفع ضد الضر ، وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر ، ويعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم ، فأخبرهم الله تعالى أنه إن أراد بهم شيئاً من ذلك لم يقدر أحد على دفعه . { بل كان الله بما تعملون خبيراً* }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا} (11)

{ المخلفون من الأعراب } قال مجاهد وغيره : هم جهينة ومزينة ومن كان حول المدينة من القبائل ، فإنهم في خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرته عام الحديبية رأوا أنه يستقبل عدواً عظيماً من قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة ، وهم الأحابيش ، ولم يكن تمكن إيمان أولئك الأعراب المجاورين للمدينة فقعدوا عن النبي عليه السلام وتخلفوا ، وقالوا لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذه السفرة ، ففضحهم الله في هذه الآية ، وأعلم محمد بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم ، فكان كذلك ، قالوا : شغلتنا الأموال والأهلون فاستغفر لنا ، وهذا منهم خبث وإبطال ، فلذلك قال تعالى : { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم }{[10412]} قال الرماني : لا يقال أعرابي إلا لأهل البوادي خاصة ، ثم قال لنبيه عليه السلام { قل } لهم : { فمن يملك لكم من الله شيئاً } أي من يحمي منه أموالكم وأهليكم إن أراد بكم فيها سوءاً .

وقرأ جمهور القراء : «إن أراد بكم ضَراً » بفتح الضاد . وقرأ حمزة والكسائي : «ضُراً » بالضم ، ورجحها أبو علي وهما لغتان . وفي مصحف ابن مسعود . «إن أراد بكم سوءاً » . ثم رد عليهم بقوله : { بل كان الله بما تعملون خبيراً } .


[10412]:قال في اللسان:"رجل أعرابي بالألف إذا كان بدويا صاحب نجعة وانتواء وارتياد للكلأ، وتتبع لمساقط الغيث...ويُجمع الأعرابي على الأعراب والأعاريب، والأعرابي إذا قيل له: يا عربي!فرح بذلك وهش له، والعربي إذا قيل له: يا أعرابي!غضب له".