أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أنبأنا أبو علي زاهر بن أحمد الطوسي ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه { أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، فقال عمر : ثكلتك أمك يا عمر كررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ، كل ذلك لا يجيبك ، قال عمر فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس ، وخشيت أن ينزل في قرآن ، فما لبثت أن سمعت صارخا يصرخ بي فقلت : لقد خشيت ان يكون نزل في قرآن ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه ، فقال : لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، ثم قرأ : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } " . أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو عمر بكر بن محمد المزني ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة ، حدثنا الحسين بن الفضل البجلي ، حدثنا أنس ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، حدثنا عفان قال : " نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم : { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } إلى آخر الآية ، مرجعه من الحديبية وأصحابه مخالطهم الحزن والكآبة ، فقال : نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعاً ، فلما تلاها نبي الله صلى الله عليه وسلم قال رجل من القوم : هنيئاً مريئاً قد بين الله ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله الآية التي بعدها : { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار } حتى ختم الآية .
قوله تعالى : { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } اختلفوا في هذا الفتح : وروي عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس : أنه فتح مكة ، وقال قتادة : فتح خيبر . والأكثرون على أنه صلح الحديبية . ومعنى الفتح فتح المنغلق ، والصلح مع المشركين بالحديبية كان متعذراً حتى فتحه الله عز وجل . وروى شعبة عن قتادة عن أنس : { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } قال : صلح الحديبية .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحاً ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان ، يوم الحديبية كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة ، والحديبية بئر ، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها : غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا " . وقال الشعبي في قوله :{ إنا فتحنا لك فتحاً مبينا } ، قال : فتح الحديبية ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهدي محله ، وظهرت الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس . قال الزهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم ، أسلم في ثلاث سنين خلق كثير ، وكثر بهم سواد الإسلام . قوله عز وجل : { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } أي : قضينا لك قضاءً بيناً . وقال الضحاك : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً بغير قتال ، وكان الصلح في قوله :{ ليغفر } .
هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من الحديبية وفي ذلك أحاديث كثيرة عن أنس وابن مسعود{[1]} وغيرهما تقتضي صحته وهي بهذا في حكم المدني وقال الزهراوي عن مجاهد وعن ابن عباس إنها نزلت بالمدينة والأول أصح ويشبه أن منها بعضا نزل بالمدينة وأما صدر السورة ومعظمها فكما قلنا ويقضي بذلك قول النبي عليه السلام لعمر وهما في تلك السفرة ( لقد نزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها ){[2]} قال القاضي أبو محمد ذكر مكي هنا ان المعنى بشرط أن تبقى الدنيا ولا تفنى وفي هذا نظر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في تلك الوجهة ليعتمر بمكة فصده المشركون القصة المشهورة سنة ست من الهجرة
قال قوم فيما حكى الزهراوي { فتحنا لك } يريد به فتح مكة ، وحكاه الثعلبي أيضاً ، ونسبه النقاش إلى الكلبي . وأخبره تعالى به على معنى : قضينا به . والفتاح : القاضي بلغة اليمن ، وقيل المراد : { إنا فتحنا لك } بأن هديناك إلى الإسلام ليغفر . وقال جمهور الناس : والصحيح الذي تعضده قصة الحديبية أن قوله : { إنا فتحنا لك } إنما معناه : إن ما يسر الله لك في تلك الخرجة فتح مبين تستقبله ، ونزلت السورة مؤنسة للمؤمنين ، لأنهم كانوا استوحشوا من رد قريش لهم ومن تلك المهادنة التي هادنهم النبي عليه السلام فنزلت السورة مؤنسة لهم في صدهم عن البيت ومذهبه : ما كان في قلوبهم ، ومنه حديث عمر الشهير وما قاله للنبي عليه السلام ولأبي بكر واستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة أنه هادن عدوه ريثما يتقوى هو ، وظهرت على يديه آية الماء في بئر الحديبية حيث وضع فيه سهمه وثاب الماء حتى كفى الجيش ، واتفقت بيعة الرضوان وهي الفتح الأعظم ، قاله جابر بن عبد الله والبراء بن عازب . وبلغ هديه محله ، قاله الشعبي واستقبل فتح خيبر ، وامتلأت أيدي المؤمنين خيراً ، ولم يفتحها إلا أهل الحديبية ولم يشركهم فيها أحد .
قال القاضي أبو محمد : وفيه نظر ، لأن أصحاب السفينة مع جعفر بن أبي طالب شاركوهم في القسم ، فينبغي أن يقال لم يشاركهم أحد من المتخلفين عن الحديبية ، واتفقت في ذلك الوقت ملحمة عظيمة بين الروم وفارس ظهرت فيها الروم ، فكانت من جملة الفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسر بها هو والمؤمنون لظهور أهل الكتاب على المجوس وانخضاد الشوكة العظمى من الكفر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.