معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ} (12)

قوله تعالى : { لولا } هلا ، { إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم } بإخوانهم ، { خيراً } قال الحسن : بأهل دينهم لأن المؤمنين كنفس واحدة ، نظيره قوله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم فسلموا على أنفسكم } { وقالوا هذا إفك مبين } أي كذب بين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ} (12)

{ لولا } هلا . { إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا } بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله تعالى : { ولا تلمزوا أنفسكم } . وإنما عدل فيه من الخطاب إلى الغيبة مبالغ في التوبيخ وإشعارا بأن الإيمان يقتضي ظن الخير بالمؤمنين والكف عن الطعن فيهم وذب الطاعنين عنهم كما يذوبهم عن أنفسهم . وإنما جاز الفصل بين { لولا } وفعله بالظرف لأنه منزل منزلته من حيث إنه لا ينفك عنه وذلك يتسع فيه مالا يتسع في غيره ، وذلك لأن ذكر الظرف أهم فإن التحضيض على أن لا يخلوا بأوله . { وقالوا هذا إفك مبين } كما يقول المستقين المطلع على الحال .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ} (12)

استئناف لتوبيخ عصبة الإفك من المؤمنين وتعنيفهم بعد أن سماه إفكاً .

و { لولا } هنا حرف بمعنى ( هلا ) للتوبيخ كما هو شأنها إذا وليها الفعل الماضي وهو هنا { ظن المؤمنون } . وأما { إذ سمعتموه } فهو ظرف متعلق بفعل الظن فقدم عليه ومحل التوبيخ جملة : { ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً } فأسند السماع إلى جميع المخاطبين وخص بالتوبيخ من سمعوا ولم يكذبوا الخبر .

وجرى الكلام على الإبهام في التوبيخ بطريقة التعبير بصيغة الجمع وإن كان المقصود دون عدد الجمع فإن من لم يظن خيراً رجُلان ، فعبر عنهما بالمؤمنين وامرأة فعبر عنها بالمؤمنات على حد قوله : { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم } [ آل عمران : 173 ] .

وقوله : { بأنفسهم خيراً } وقع في مقابلة { ظن المؤمنون والمؤمنات } فيقتضي التوزيع ، أي ظن كل واحد منهم بالآخرين ممن رموا بالإفك خيراً إذ لا يظن المرء بنفسه .

وهذا كقوله تعالى : { ولا تلمزوا أنفسكم } [ الحجرات : 11 ] أي يلمز بعضكم بعضاً ، وقوله : { فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم } [ النور : 61 ] .

روي أن أبا أيوب الأنصاري لما بلغه خبر الإفك قال لزوجه : ألا ترين ما يقال ؟ فقالت له : لو كنتَ بدل صفوان أكنت تظن بحرمة رسول الله سوءاً ؟ قال : لا . قالت : ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله فعائشة خير مني وصفوان خير منك . قال : نعم .

وتقديم الظرف وهو { إذ سمعتموه } على عامله وهو { قلتم } [ النور : 16 ] للاهتمام بمدلول ذلك الظرف تنبيهاً على أنهم كان من واجبهم أن يطرق ظن الخير قلوبهم بمجرد سماع الخير وأن يتبرؤا من الخوض فيه بفور سماعه .

والعدول عن ضمير الخطاب في إسناد فعل الظن إلى المؤمنين التفات ، فمقتضى الظاهر أن يقال : ظننتم بأنفسكم خيراً ، فعدل عن الخطاب للاهتمام بالتوبيخ فإن الإلتفات ضرب من الاهتمام بالخبر ، وليُصرَّح بلفظ الإيمان ، دلالة على أن الاشتراك في الإيمان يقتضي أن لا يصدق مؤمن على أخيه وأخته في الدين ولا مؤمنة على أخيها وأختها في الدين قول عائب ولا طاعن . وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع قالة في مؤمن أن يبني الأمر فيها على الظن لا على الشك ثم ينظر في قرائن الأحوال وصلاحية المقام فإذا نسب سوءٌ إلى من عُرف بالخير ظن أن ذلك إفك وبهتان حتى يتضح البرهان . وفيه تعريض بأن ظن السوء الذي وقع هو من خصال النفاق التي سرت لبعض المؤمنين عن غرور وقلة بصارة فكفى بذلك تشنيعاً له .

وهذا توبيخ على عدم إعمالهم النظر في تكذيب قول ينادي حاله ببهتانه وعلى سكوتهم عليه وعدم إنكاره .

وعطف { وقالوا هذا إفك مبين } تشريع لوجوب المبادرة بإنكار ما يسمعه المسلم من الطعن في المسلم بالقول كما ينكره بالظن وكذلك تغيير المنكر بالقلب واللسان .

والباء في { بأنفسهم } لتعدية فعل الظن إلى المفعول الثاني لأنه متعد هنا إلى واحد إذ هو في معنى الاتهام .

والمبين : البالغ الغاية في البيان ، أي الوضوح كأنه لقوة بيانه قد صار يبين غيره .