السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ} (12)

ولما أخبر سبحانه وتعالى بعقاب أهل الإفك ، وكان في المؤمنين من سمعه وسكت ، وفيهم من سمعه فتحدّث به متعجباً من قائله أو متثبتاً في أمره وفيهم من أكذبه أتبعه سبحانه وتعالى بعتابهم في أسلوب خطابهم مثنياً على من كذبه ، فقال سبحانه وتعالى مستأنفاً محرضاً : { لولا } أي : هلا ولم لا { إذ } أي : حين { سمعتموه } أيها المدعون للإيمان { ظن المؤمنون } أي : منكم { والمؤمنات } وكان الأصل ظننتم أي : أيها العصبة ولكنه التفت إلى الغيبة تنبيهاً على التوبيخ ، وصرح بالنساء ونبه على الوصف المقتضي لحسن الظن تخويفاً للذي ظن السوء من سوء الخاتمة { بأنفسهم } حقيقة { خيراً } وهم دون من كذب عليها فقطعوا ببراءتها لأن الإنسان لا يظن في الناس إلا ما هو متصف به أو بإخوانهم لأن المؤمنين كالجسد الواحد وذلك نحو ما يروى أن أبا أيوب الأنصاري قال لأم أيوب : ألا ترين ما يقال ؟ فقالت : لو كنت بدل صفوان كنت تظن بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوءاً قال : لا ، قالت : ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعائشة خير مني وصفوان خير منك { وقالوا هذا إفك مبين } أي : كذب بيّن .

فإن قيل : هلا قيل لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم ولم عدل عن الخطاب إلى الغيبة ، وعن الضمير إلى الظاهر ؟ أجيب : بأن ذلك مبالغة في التوبيخ على طريقة الالتفات وليصرح بلفظ الإيمان دالاً على أن الاشتراك فيه يقتضي أن لا يصدق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن ، وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع مقالة في أخيه أن يبني الأمر فيها على الظن لا على الشك ، وأن يقول بملء فيه بناءً على ظنه بالمؤمن الخير هذا إفك مبين هكذا اللفظ المصرح ببراءة ساحته لا يقول كما يقول المستيقن المطلع على حقيقة الحال ، وهذا من الأدب الحسن الذي قل القائم به والحافظ له وليتك تجد من يسمع فيسكت ولا يشيع ما يسمعه بإخوانه .