اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ} (12)

قوله تعالى : { لولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } «لَوْلاَ » هذه تحضيضية ، أي : هَلاَّ ، وذلك كثير في اللغة إذا كانت تلي الفعل كقوله : «لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي »{[34129]} وقوله : «فَلَوْلاَ{[34130]} كَانَتْ » {[34131]} .

فأما إذا ولي الاسم فليس كذلك كقوله : { لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ }{[34132]} [ سبأ : 31 ] ، { وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ }{[34133]} [ النور : 21 ] . و «إذْ » منصوب ب «ظَنَّ » والتقدير : لولا ظَنَّ المؤمنون بأنفسهم إذ سَمِعْتُمُوه . وفي هذا الكلام التفات . قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل : لولا إذ سمعتموه ، ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم ، ولِمَ عَدَل عن الخطاب إلى الغيبة وعن الضمير إلى الظاهر ؟ قلت : ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات ، وليصرح بلفظ الإيمان دلالة على أن الاشتراك فيه مقتض ألا يصدق ( أحد قالةً في أخيه ، وألا يظن بالمسلمين إلا خيراً ) {[34134]} .

وقوله{[34135]} : «وَلِمَ عدل عن الخطاب » ؟ يعني في قوله : «وَقَالُوا » فإنه كان الأصل : «وقلتم » ، فعدل عن هذا الخطاب إلى الغيبة في «وَقَالُوا » .

وقوله{[34136]} : «وعن الضمير » يعني أن الأصل كان «ظَنَنْتُمْ » فعدل عن ضمير الخطاب إلى لفظ المؤمنين .

فصل

المعنى : هلاَّ { إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنْفُسِهِمْ } بإخوانهم «خَيْراً » .

وقال الحسن : بأهل دينهم ، لأن المؤمنين كنفس واحدة ، كقوله : { وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ }{[34137]} [ النساء : 29 ] { فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ }{[34138]} [ النور : 61 ] المعنى : بأمثالكم المؤمنين .

وقيل : جعل المؤمنين كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الأمور ، فإذا جرى على أحدهم مكروه فكأنه جرى على جميعهم ، كما قال عليه السلام{[34139]} «مَثَلُ المُسْلِمينَ في تَوَاصُلِهِمْ وتراحُمِهِمْ كمثل الجَسَد إذا وجع بعضه وجع كله بالسَّهر والحُمَّى »{[34140]} ، وقال عليه السلام{[34141]} : «المؤمنُون كالبُنْيَانِ يشدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً{[34142]} »{[34143]} .

وقوله : { هاذا إِفْكٌ مُّبِينٌ } أي : كذب بين{[34144]} .


[34129]:من قوله تعالى: {لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} [المنافقون: 10].
[34130]:في ب: فلو وهو تحريف.
[34131]:من قوله تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} [يونس: 98].
[34132]:[سبأ: 31].
[34133]:[النساء: 83]، [النور: 10، 14، 20، 21]. وانظر ذلك في حروف المعاني للزجاجي (3 – 5)، ومعاني الحروف للرماني (123 – 124)، المغني (1/171 – 176).
[34134]:ما بين القوسين فيه اختلاف في ألفاظ الكشاف. انظر الكشاف 3/65.
[34135]:الضمير في: وقوله للزمخشري.
[34136]:الضمير في: وقوله للزمخشري.
[34137]:[النساء: 29].
[34138]:من قوله تعالى: {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} [النور: 61]. وانظر البغوي 6/79 – 80.
[34139]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[34140]:أخرجه البخاري (أدب) 3/53، مسلم (بر) 4/1999- 2000.
[34141]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[34142]:أخرجه البخاري (صلاة) 1/95، (مظالم) 3/67، (أدب) 4/55، مسلم (بر) 4/1999 الترمذي (بر) 3/218، النسائي (زكاة) 5/79، أحمد 4/404، 405، 409.
[34143]:انظر الفخر الرازي 23/178.
[34144]:معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/36.