فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ} (12)

ثم صرف سبحانه الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى المؤمنين بطريق الالتفات فقال { لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً } { لولا } هذه هي التحضيضية تأكيداً للتوبيخ ، والتقريع ، ومبالغة في معاتبتهم أي : كان ينبغي للمؤمنين حين سمعوا مقالة أهل الإفك أن يقيسوا ذلك على أنفسهم ، فإن كان ذلك يبعد فيهم ، فهو في أمّ المؤمنين أبعد . قال الحسن : معنى { بأنفسهم } : بأهل دينهم ، لأن المؤمنين كنفس واحدة ألا ترى إلى قوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [ النساء : 29 ] . قال الزجاج : ولذلك يقال للقوم الذين يقتل بعضهم بعضاً : إنهم يقتلون أنفسهم . قال المبرّد : ومثله قوله سبحانه { فاقتلوا أَنفُسَكُمْ } [ البقرة : 54 ] . قال النحاس : { بأنفسهم } : بإخوانهم ، فأوجب الله سبحانه على المسلمين إذا سمعوا رجلاً يقذف أحداً ، ويذكره بقبيح لا يعرفونه به أن ينكروا عليه ويكذبوه . قال العلماء : إن في الآية دليلاً على أن درجة الإيمان والعفاف لا يزيلها الخبر المحتمل وإن شاع { وَقَالُواْ هذا إِفْكٌ مُّبِينٌ } أي : قال المؤمنون عند سماع الإفك : هذا إفك ظاهر مكشوف .

/خ21