غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ} (12)

11

ثم علم أدباً حسناً في مثل هذه الواقعة فقال { لولا إذ سمعتموه ظن } فصل بين " لولا " التحضيضية وبين فعلها بالظرف لأنه يتسع في الظرف مالا يتسع في غيره تنزيلاً للظرف منزلة المظروف نفسه ، ولأن الممكنات لا تنفك عن الظروف .

والفائدة فيه أن يعلم أن ظن الخير كان يجب عليهم أول ما سمعوه بالإفك ، فلما كان ذكر الوقت أهم وجب التقديم ومثله { ولولا إذ سمعتموه قلتم } [ النور : 16 ] ثم لا يخفى أن أصل المعنى أن يقال : لولا إذ سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيراً وقلتم هذا إفك . ومعنى بأنفسكم بالذين منكم من المؤمنين والمؤمنات ، فعدل عن الخطاب إلى الغيبة ، وعن الضمير إلى الظاهر ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات ، ولينبه لفظ الإيمان على أن الاشتراك فيه يقتضي أن لا يصدّق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا عاتب بل يقول بملء فيه بناء على ظن الخير مصرحاً ببراءة ساحته { هذا إفك مبين } وذلك أن المؤمن معه من العقل والدين ما يهديه إلى الأصلح ويؤخره عن الأقبح ، ولم يوجد هذا الداعي والصارف معارض بتساويهما كما قيل : كلام العدى ضرب من الهذيان . فوجب أن لا يلتفت المؤمن إلى قول الطاعن في حق أخيه ويبقى على حسن ظنه به وهذا أدب حسن قل العامل به ، وليتك تجد من يسمع فيسكت ولا يزيد فيه . روي أن أبا أيوب الأنصاري قال لأم أيوب : أما ترين ما يقال ؟ فقالت : لو كنت بدل صفوات أكنت تظن بحرمة رسول الله سوءاً ؟ قال : لا . قلت : لو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعائشة خير مني وصفوان خير منك . وفي الآية دلالة على قول أبي حنيفة أن المسلمين عدول بعضهم على بعض ما لم يظهر منهم ريبة لأنا مأمورون بحسن الظن وذلك يوجب قبول الشهادة . ومن هنا قال أيضاً : إذ باع درهماً وديناراً بدرهمين ودينارين إنا نخالف بينهما لأنا قد أمرنا بظن الخير فوجب حمله على ما يجوز . ومثله إذا باع سيفاً محلى فيه مائة درهم بمائتي درهم نجعل المائة بالمائة والفضل بالسيف . وإذا وجدنا امرأة أجنبية مع رجل فاعترفا بالتزويج تصدقهما حملاً لعقود المسلمين وتصرفاتهم على الجواز والصحة . وزعم مالك أنهما يحدان إن لم يقيما بينة على النكاح . وقيل : إن الآية مختصة بعائشة لأن كونها زوجة النبي كالدليل القاطع على أن الذي قيل فيها إفك صريح . قال العلماء : يجوز أن تكون زوجة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ، ولا يجوز أن تكون فاجرة لأن الأنبياء معصومون عن المنفرات ألبتة فإن حصول المنفر معه ينافي بعثته لكن الكفر غير منفر للكفرة . قال : وأما الكشخنة فمن أعظم المنفرات . قيل : في تفسيره الكشخان الذي تحبب امرأته الرجال إلى نفسها . ويقال : كشخنته أي قلت له يا كشخان .

/خ26