محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ} (12)

{ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا } أي بالذي منهم من المؤمنين والمؤمنات ، كقوله تعالى {[5670]} : { ولا تلمزوا أنفسكم } قال الشهاب : وهذا من بديع الكلام . وقد وقع في القرآن كثيرا . وهو بحسب الظاهر يقضي أن كل واحد يظن بنفسه خيرا ، وليس بمراد . بل أن يظن بغيره ذلك . وتوجيهه أنه مجاز ، لجعله اتحادا لجنس كاتحاد الذات ولذا فسر قوله {[5671]} : { ولا تقتلوا أنفسكم } ب ( لا تقتلوا من كان من جنسكم ) أو يجعلهم كنفس واحدة ، فمن عاب مؤمنا فكأنما عاب نفسه ، ويجوز أن يقدر فيه مضاف . أي : ظن بعض المؤمنين والمؤمنات بأنفس بعضهم الآخر وقال الكرماني في حديث ( أموالكم عليكم حرام ) إنه كقولهم ( بنو فلان قتلوا أنفسهم ) أي قتل بعضهم بعضا ، مجازا أو إضمارا للقرينة الصارفة عن ظاهره . و{ لولا } تحضيضية بمعنى ( هلا ) { وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ } أي هذا الذي سمعناه ، من رمي أم المؤمنين ، إفك مبين جلي لمن عقل وفكر فيه . قال العلامة الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل ( لولا إذا سمعتموه ظننتم بأنفسكم خيرا وقلتم ) ؟ ولم عدل عن الخطاب إلى الغيبة ؟ وعن الضمير إلى الظاهر ؟ قلت : ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات . وليصرح بلفظ ( الإيمان ) دلالة على أن الاشتراك فيه مقتض ألا يصدق مؤمن على أخيه ، ولا مؤمنة على أختها ، قول عائب ولا طاعن . وفيه تنبيه على أن حق المؤمن ، إذا سمع قالة في أخيه ، أن يبني الأمر فيها على الظن ، لا على الشك . وأن يقول بملء فيه – بناء على ظنه بالمؤمن الخير – هذا إفك مبين . هكذا باللفظ المصرح ببراءة ساحته . كما يقول المستيقن المطلع على حقيقة الحال . وهذا من الأدب الحسن الذي قل القائم به والحافظ له . وليتك تجد من يسمع فيسكت ، ولا يشيع ما سمعه بأخوات ! انتهى .


[5670]:(49 الحجرات 11).
[5671]:(4 النساء 29).