الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ} (12)

السابعة-قوله تعالى : " لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا " هذا عتاب من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين في ظنهم حين قال أصحاب الإفك ما قالوا . قال ابن زيد : ظن المؤمنون أن المؤمن لا يفجر بأمه ، قاله المهدوي . و " لولا " بمعنى هلا . وقيل : المعنى أنه كان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمر على أنفسهم ، فإن كان ذلك يبعد فيهم فذلك في عائشة وصفوان أبعد . وروي أن هذا النظر السديد وقع من أبي أيوب الأنصاري وامرأته ، وذلك أنه دخل عليها فقالت له : يا أبا أيوب أسمعت ما قيل ؟ فقال : نعم ، وذلك الكذب أكنت أنت يا أم أيوب تفعلين ذلك قالت : لا والله . قال : فعائشة والله أفضل منك ، قالت أم أيوب : نعم . فهذا الفعل ونحوه هو الذي عاتب الله تعالى عليه{[11833]} المؤمنين إذ لم يفعله جميعهم .

الثامنة-قوله تعالى : " بأنفسهم " قال النحاس : معنى " بأنفسهم " بإخوانهم . فأوجب الله على المسلمين إذا سمعوا رجلا يقذف أحدا ويذكره{[11834]} بقبيح لا يعرفونه به أن ينكروا عليه ويكذبوه وتواعد من ترك ذلك ومن نقله . قلت : ولأجل هذا قال العلماء : إن الآية أصل في أن درجة الإيمان التي حازها الإنسان ، ومنزلة الصلاح التي حلها المؤمن{[11835]} ، ولبسة العفاف التي يستتر بها المسلم لا يزيلها عنه خبر محتمل وإن شاع إذا كان أصله فاسدا أو مجهولا .


[11833]:في الأصول وتفسير ابن عطية: "عاتب الله تعالى على المؤمنين".
[11834]:كذا في ك.
[11835]:في ك: المرء.