الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ} (12)

{ بِأَنفُسِهِمْ } أي بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات ، كقوله : { وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ } [ الحجرات : 11 ] وذلك نحو ما يروى أن أبا أيوب الأنصاري قال لأم أيوب : ألا ترين ما يقال ؟ فقال : لو كنت بدل صفوان أكنت تظنّ بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوءاً ؟ قال : لا . قالت : ولو كنت أنا بدل عائشة رضي الله عنها ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعائشة خير مني ، وصفوان خير منك .

فإن قلت : هلا قيل : لولا إذ سمعتموه ظننتم بإنفسكم خيراً وقلتم ؟ ولم عدل عن الخطاب إلى الغيبة ، وعن الضمير إلى الظاهر ؟ قلت : ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات ، وليصرح بلفظ الإيمان ، دلالة على أن الاشتراك فيه مقتض أن لا يصدّق مؤمن على أخيه ولا مؤمنة على أختها قول عائب ولا طاعن . وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع قالة في أخيه ، أن يبني الأمر فيها على الظنّ لا على الشك . وأن يقول بملء فيه بناء على ظنّه بالمؤمن الخير : { هذا إِفْكٌ مُّبِينٌ } هكذا بلفظ المصرح ببراءة ساحته ، كما يقول المستيقن المطلع على حقيقة الحال . وهذا من الأدب الحسن الذي قل القائم به والحافظ له ، وليتك تجد من يسمع فيسكت ولا يشيع ما سمعه بأخوات .