معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا} (47)

قوله تعالى : { قال } إبراهيم { سلام عليك } ، أي : سلمت مني لا أصيبك بمكروه ، وذلك أنه لم يؤمر بقتاله على كفره . وقيل : هذا سلام هجران ومفارقة . وقيل : سلام بر ولطف ، وهو جواب الحليم للسفيه . قال الله تعالى : { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } [ الفرقان : 63 ] . قوله تعالى : سأستغفر لك ربي ] ، قيل : إنه لما أعياه أمره ووعده أن يراجع الله فيه ، فيسأله أن يرزقه التوحيد ويغفر له . معناه : سأسأل الله تعالى لك توبة تنال بها المغفرة . { إنه كان بي حفياً } ، براً لطيفاً . قال الكلبي : عالماً يستجيب لي إذا دعوته . قال مجاهد : عودني الإجابة لدعائي .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا} (47)

{ قال سلام عليك } توديع ومتاركة ومقابلة للسيئة بالحسنة ، أي لا أصيبك بمكروه ولا أقول لك بعد ما يؤذيك ولكن { سأستغفر لك ربي } لعله يوفقك للتوبة والإيمان ، فإن حقيقة الاستغفار للكافر استدعاء التوفيق لما يوجب مغفرته وقد مر تقريره في سورة التوبة { إنه كان بي حفيا } بليغا في البر والإلطاف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا} (47)

قرأ أبو البرهسم «سلاماً عليك » بالنصب ، واختلف أهل العلم في معنى تسلميه عليه ، فقال بعضهم هي تحية مفارق وجوزوا تحية الكافر وأن يبدأ بها . وقال الجمهور : ذلك التسليم بمعنى المسالمة لا بمعنى التحية ، قال الطبري معناه أمنة مني لك ، وهذا قول الجمهور وهم لا يرون ابتداء الكافر بالسلام ، وقال النقاش : حليم خاطب سفيهاً كما قال ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً{[7974]} ، ورفع السلام بالابتداء ، وجاز ذلك مع نكرته لأنها نكرة مخصصة فقربت من المعرفة ولأنه في موضع المنصوب الذي هو سلمت سلاماً وهذا كما يجوز ذلك في ما هو في معنى الفاعل كقولهم : «شر ما أهرّ ذا ناب »{[7975]} ، هذا مقال سيبويه ، وقوله تعالى { سأستغفر } معناه سأدعو الله تعالى في أن يهديك فيغفر لك بإيمانك وهذا أظهر من أن يتأول على إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم أنه لم يعلم أن الله لا يغفر لكافر ، وقد يجوز أن يكون إبراهيم عليه السلام أول نبي أوحي إليه أن لا يغفر لكافر ، لأن هذه العقيدة إنما طريقها السمع ، فكانت هذه المقالة منه لأبيه قبل أن يوحى إليه ذلك ، وإبراهيم عليه السلام إنما تبين له في أبيه أنه عدو لله بأحد وجهبن إما بموته على الكفر كما روي وإما بأن أوحي إليه تعسف الحتم عليه ، وقال مكي عن السدي : أخره بالاستغفار الى السحر ، وهذا تعسف ، وإنما ذكر ذلك في أمر يعقوب وبنيه وأما هذا فوعد باستغفار كثير مؤتنف فالسين متمكنة . و «الحفي » المبتهل المتلطف وهذا شكر من إبراهيم لنعم الله تعالى عليه .


[7974]:من الآية (63) من سورة (الفرقان).
[7975]:هذا مثل يضرب في ظهور أمارات الشر ومخايله، ويقال: أهره، إذا حمله على الهرير، والهرير: صوت الكلب دون النباح، وصوت القوس وغيرها، وذو الناب: السبع. و(شر) هنا رفع بالابتداء وهو نكرة، وشرط النكرة ألا يبتدأ بها حتى تخصص بصفة، كقولنا: "رجل من بني تميم فارس"، ولكنهم ابتدؤا بالنكرة هنا من غير صفة لأن المعنى: ما أهر ذا ناب إلا شر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا} (47)

سلام عليك سلام توديع ومتاركة . وبادرهُ به قبل الكلام الذي أعقبه به إشارة إلى أنه لا يسوءه ذلك الهجر في ذات الله تعالى ومرضاته .

ومن حلم إبراهيم أن كانت متكارته أباه مثوبة بالإحسان في معاملته في آخر لحظة .

والسلام : السلامة . و ( على ) للاستعلاء المجازي وهو التمكن . وهذه كلمة تحية وإكرام ، وتقدمت آنفاً عند قوله { وسلام عليه يوم ولد } [ مريم : 15 ] .

وأظهر حرصه على هداه فقال { سأستغفر لك ربي ، أي أطلب منه لك المغفرة من هذا الكفر ، بأن يهديه الله إلى التوحيد فيغفر له الشرك الماضي ، إذ لم يكن إبراهيم تلقى نهياً من الله عن الاستغفار للمشرك . وهذا ظاهر ما في قوله تعالى : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } [ التوبة : 114 ] . واستغفاره له هو المحكي في قوله تعالى : { واغفر لأبي إنه كان من الضالين } [ الشعراء : 86 ] .

وجملة { سأستغفر لك ربي } مستأنفة ، وعلامة الاستقبال والفعل المضارع مؤذنان بأنه يكرر الاستغفار في المستقبل .

وجملة إنه كان بي حفيا تعليل لما يتضمنه الوعد بالاستغفار من رجاء المغفرة استجابة لدعوة إبراهيم بأن يوفق الله أبا إبراهيم للتوحيد ونبذِ الإشراك .

والحَفيّ : الشديد البِر والإلطاف . وتقدم في سورة الأعراف ( 187 ) عند قوله : { يسألونك كأنك حفي عنها }