فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا} (47)

{ قَالَ سلام عَلَيْكَ } أي تحية توديع ومتاركة كقوله : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُوا سَلاَماً } [ الفرقان : 63 ] . وقيل : معناه : أمنة مني لك ، قاله ابن جرير . وإنما أمنه مع كفره لأنه لم يؤمر بقتاله ، والأوّل أولى ، وبه قال الجمهور . وقيل : معناه الدعاء له بالسلامة ، استمالة له ورفقاً به ثم وعده بأن يطلب له المغفرة من الله سبحانه تألفاً له وطمعاً في لينه وذهاب قسوته :

والشيخ لا يترك أخلاقه *** حتى يوارى في ثرى رمسه

وكان منه هذا الوعد قبل أن يعلم أنه يموت على الكفر ، وتحق عليه الكلمة ، ولهذا قال الله سبحانه في موضع آخر : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } . بعد قوله : { وَمَا كَانَ استغفار إبراهيم لأبِيهِ إِلاَّ عَن مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ } [ التوبة : 114 ] وجملة : { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } تعليل لما قبلها ؛ والمعنى : سأطلب لك المغفرة من الله ، فإنه كان بي كثير البرّ واللطف . يقال : حفي به وتحفّى إذا برّه . قال الكسائي : يقال حفي بي حفاوة وحفوة . وقال الفراء : إنه كان بي حفياً ، أي عالماً لطيفاً يجيبني إذا دعوته .

/خ50