غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا} (47)

41

فلما رأى إبراهيم إصرار أبيه على التمرد والجهالة { قال سلام عليك } يعني سلام توديع ومتاركة كقوله : { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } [ الفرقان : 63 ] وفيه أن متاركة المنصوح إذا ظهر منه آثار اللجاج من سنن المرسلين ، ويحتمل أن يكون قد دعا له بالسلامة استمالة له ورفقاً به بدليل قوله : { سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيّاً } بليغاً في البر والإلطاف وقد مر ي آخر " الأعراف " . احتج بالآية بعض من طعن في عصمة الأنبياء قال : إنه استغفر لأبيه الكافر وهو منهي عنه لقوله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } [ التوبة : 113 ] الآية . ولقوله في الممتحنة { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم } [ الممتحنة : 4 ] إلى قوله : { إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك } [ الممتحنة : 4 ] فلو لم يكن هذا معصية لم يمنع من التأسي به . والجواب لعل إبراهيم عليه السلام في شرعه لم يجد ما يدل على القطع بتعذيب الكافر أو لعل بهذا الفعل منه من باب ترك الأولى ، أو لعل الاستغفار بمعنى الاستبطاء كقوله : { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } [ الجاثية : 14 ] والمعنى سأسأل ربي أن يخزيك بكفرك ما دمت حياً . والجواب في الحقيقة ما مر في آخر سورة التوبة في قوله عز من قائل { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } [ التوبة : 114 ] والمنع من التأسي لا يدل على المعصية ، فلعل الاستغفار مع ذلك الشرط كان من خصائصه كما أن كثيراً من الأمور كانت مباحة للرسول الله صلى الله عليه وسلم هي محرمة علينا .

/خ65