الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا} (47)

وقولهُ : { قَالَ سلام عَلَيْكَ } [ مريم : 47 ] .

اختُلِف في معنى تَسْلِيمه على أَبِيهِ ، فقال بعضُهم : هي تحيةُ مفارقٍ وجوَّزوا تحيةَ الكَافِر وأَن يُبْدَأ بها ، وقال الجمهورُ : ذلك السلامُ بمعنى المُسَالمةِ ، لا بمعنى التَّحِيَّة ، وقال الطبريّ : معناه أَمَنَة مِنّي لك وهذا قول الجمهُورِ وهم لا يَروْن ابتداءَ الكافِرِ بالسَّلاَم ، وقال النَّقَّاشُ : حليمٌ خاطب سَفِيهاً كما قال تعالى : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سلاما } [ الفرقان : 63 ] .

قوله : { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي } [ مريم : 47 ] معناه : سأَدْعُو اللّه تعالى في أَن يَهْدِيَكَ فيغفِرَ لك بإيمانك ، ولمّا تبيَّن له أَنه عدوٌّ للَّه تبرّأَ منه . والحِفيُّ : المهتبلُ المتلطِّف ، وهذا شُكْر من إبراهيمَ لنعم اللّه تعالى عليه ، ثم أَخبر إبراهيمُ عليه السلام بأَنه يعتزلهم ، أَيْ : يصير عنهم بمعْزِل ويروى : أَنهم كانوا بأَرض كُوثَى ، فرحل عليه السلام حتى نزل الشامَ ، وفي سفرته تلك لقِي الجبَّار الَّذي أَخْدم هاجرَ الحديثَ الصحيح بطوله ، و{ تَدْعُونَ } معناه : تعبدون .