وقوله : { سلام عليك } توادع ومتاركة كقوله تعالى : { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين } ، { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } وهذا دليل على جواز متاركة المنصوح إذا ظهر منه اللجاج ، وعلى أنه تحسن مقابلة الإساءة بالإحسان ، ويجوز أن يكون قد دعا له بالسلامة استمالة له ، ألا ترى أنه وعده بالاستغفار ، ثم إنه لما ودع أباه بقوله : { سلام عليك } ضم إلى ذلك ما دل به على أنه وإن بعد عنه فإشفاقه باق عليه كما كان وهو قوله : { سأستغفر لك ربي } واحتج بهذه الآية من طعن في عصمة الأنبياء ، وتقريره أن إبراهيم عليه السلام فعل ما لا يجوز لأنه استغفر لأبيه وهو كافر والاستغفار للكافر لا يجوز ، فثبت بمجموع هذه المقدمات أن إبراهيم عليه السلام فعل ما لا يجوز ، إنما قلنا إنه استغفر لأبيه لقوله تعالى حكاية عن إبراهيم : { سلام عليك سأستغفر لك ربي } وقوله : { واغفر لأبي إنه كان من الضالين } وأما أن أباه كان كافرا فذاك بنص القرآن وبالإجماع ، وأما أن الاستغفار للكافر لا يجوز فلوجهين . الأول : قوله تعالى : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } . الثاني : قوله في سورة الممتحنة : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم } إلى قوله { لأستغفرن لك } وأمر الناس إلا في هذا الفعل فوجب أن يكون ذلك معصية منه ، «والجواب » : لا نزاع إلا في قولكم الاستغفار للكافر لا يجوز فإن الكلام عليه من وجوه : أحدها : أن القطع على أن الله تعالى يعذب الكافر لا يعرف إلا بالسمع ، فلعل إبراهيم عليه السلام لم يجد في شرعه ما يدل على القطع بعذاب الكافر فلا جرم استغفر لأبيه . وثانيها : أن الاستغفار قد يكون بمعنى الاستماحة ، كما في قوله : { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } والمعنى سأسأل ربي أن لا يجزيك بكفرك ما كنت حيا بعذاب الدنيا المعجل .
وثالثها : أنه عليه السلام إنما استغفر لأبيه لأنه كان يرجو منه الإيمان فلما أيس من ذلك ترك الاستغفار ولعل في شرعه جواز الاستغفار للكافر الذي يرجي منه الإيمان ، والدليل على وقوع هذا الاحتمال قوله تعالى : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } فبين أن المنع من الاستغفار إنما يحصل بعد أن يعرفوا أنهم من أصحاب الجحيم . ثم قال بعد ذلك : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } فدلت الآية على أنه وعده بالاستغفار لو آمن ، فلما لم يؤمن لم يستغفر له بل تبرأ منه ، فإن قيل فإذا كان الأمر كذلك فلم منعنا من التأسي به في قوله : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم } إلى قوله { إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك } قلنا الآية تدل على أنه لا يجوز لنا التأسي به في ذلك لكن المنع من التأسي به في ذلك لا يدل على أن ذلك كان معصية . فإن كثيرا من الأشياء هي من خواص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لنا التأسي به مع أنها كانت مباحة له عليه السلام . ورابعها : لعل هذا الاستغفار كان من باب ترك الأولى وحسنات الأبرار سيئات المقربين ، أما قوله : { إنه كان بي حفيا } أي لطيفا رفيقا يقال أحفى فلان في المسألة بفلان إذا لطف به وبالغ في الرفق ، ومنه قوله تعالى : { وإن يسألكموها فيحفكم تبخلوا } أي وإن لطفت المسألة والمراد أنه سبحانه للطفه بي وإنعامه علي عودني الإجابة فإذا أنا استغفرت لك حصل المراد فكأنه جعله بذلك على يقين إن هو تاب أن يحصل له الغفران .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.