الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا} (47)

{ قَالَ سلام عَلَيْكَ } سلام توديع ومتاركة ، كقوله تعالى : { لَنَا أعمالنا وَلَكُمْ أعمالكم سلام عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الجاهلين } [ القصص : 55 ] وقوله : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً } [ الفرقان : 63 ] وهذا دليل على جواز متاركة المنصوح [ له ] والحال هذه . ويجوز أن يكون قد دعا له بالسلامة استمالة له . ألا ترى أنه وعده الاستغفار .

فإن قلت : كيف جاز له أن يستغفر للكافر وأن يعده ذلك ؟ قلت : قالوا أراد اشتراط التوبة عن الكفر ، كما ترد الأوامر والنواهي الشرعية على الكفار والمراد اشتراط الإيمان ، وكما يؤمر المحدث والفقير بالصلاة والزكاة ويراد اشتراط الوضوء والنصاب . وقالوا : إنما استغفر له بقوله : { واغفر لأَِبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضالين } [ الشعراء : 86 ] لأنه وعده أن يؤمن . واستشهدوا عليه بقوله تعالى : { وَمَا كَانَ استغفار إبراهيم لأَِبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ } [ التوبة : 114 ] ولقائل أن يقول : إنّ الذي منع من الاستغفار للكافر إنما هو السمع ، فأمّا القضية العقلية فلا تأباه ، فيجوز أن يكون الوعد بالاستغفار والوفاء به قبل ورود السمع ، بناء على قضية العقل ، والذي يدل على صحته قوله تعالى : { إِلاَّ قَوْلَ إبراهيم لأَِبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [ الممتحنة : 4 ] فلو كان شارطاً للإيمان لم يكن مستنكراً ومستثنى عما وجبت فيه الأسوة . وأمّا ( عن موعدة وعدها إياه ) فالواعد هو إبراهيم لا آزر ، أي : ما قال : ( واغفر لأبي ) إلا عن قوله : ( لأستغفرنّ لك ) وتشهد له قراءة حماد الراوية : وعدها أباه . والله أعلم { حَفِيّاً } الحفيّ : البليغ في البر والإلطاف ، حفي به وتحفى به .