فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا} (47)

{ قال سلام عليك } أي تحية توديع ومقاطعة ومتاركة ، كقوله تعالى : { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } .

وقيل معناه أمنة مني لك . قاله ابن جرير . وإنما أمنه مع كفره لأنه لم يؤمر بقتاله والأول أولى وبه قال الجمهور .

وقيل معناه الدعاء له بالسلامة استمالة له ورفقا به ، وهذا في مقابلة قوله : لئن لم تنته ، وهذا مقابلة للسيئة بالحسنة . ثم وعده بأن يطلب له المغفرة من الله سبحانه تألفا له وطمعا في لينه وذهاب قسوته .

والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه

فقال : { سأستغفر لك ربي } وكان منه هذا الوعد قبل أن يعلم أنه يموت على كفره وتحق عليه الكلمة . ولهذا قال الله سبحانه في موضع آخر : { فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه } بعد قوله : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } وقيل المراد باستغفاره له طلب توفيقه للإيمان الموجب للمغفرة ، أي سأسأل لك ربي توبة تنال بها المغفرة ، يعني الإسلام ، والاستغفار للكافر بهذا الوجه جائز ، كأنه يقول اللهم وفقه للإسلام أو تب عليه واهده . قاله الكرخي والصحيح هو الأول .

{ إنه كان بي حفيا } تعليل لما قبلها ، والمعنى سأطلب لك المغفرة من الله ، فإنه كان بي كثير البر واللطف . يقال حفي به وتحفى إذا بره . قال الكسائي . يقال حفي بي حفاوة وحفوة أي اعتنى بي وبالغ في إكرامي وإلطافي . وقال الفراء : حفيا أي عالما لطيفا يجيبني إذا دعوته . وبه قال ابن عباس . والحفي أيضا المستقصي في السؤال ، ومنه كأنك حفي عنها .