معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ} (84)

قوله تعالى : { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم } . أي لا تريقون .

قوله تعالى : { دماءكم } . أي : لا يسفك بعضكم دم بعض ، وقيل : لا تسفكوا دماء غيركم فتسفك دماؤكم ، فكأنكم سفكتم دماء أنفسكم .

قوله تعالى : { ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } . ولا يخرج بعضكم بعضاً من داره ، وقيل : لا تسيئوا جوار من جاوركم فتلجؤهم إلى الخروج بسوء جواركم .

قوله تعالى : { ثم أقررتم } . بهذا العهد أنه حق وقبلتم .

قوله تعالى : { وأنتم تشهدون } . اليوم على ذلك يا معشر اليهود وتعترفون بالقبول .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ} (84)

{ وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } على نحو ما سبق والمراد به أن لا يتعرض بعضهم بعضا بالقتل والإجلاء عن الوطن . وإنما جعل قتل الرجل غيره قتل نفسه ، لاتصاله به نسبا أو دينا ، أو لأنه يوجبه قصاصا . وقيل معناه لا ترتكبوا ما يبيح سفك دمائكم وإخراجكم من دياركم ، أو لا تفعلوا ما يرديكم ويصرفكم عن الحياة الأبدية فإنه القتل في الحقيقة ، ولا تقترفوا ما تمنعون به عن الجنة التي هي داركم ، فإنه الجلاء الحقيقي { ثم أقررتم } بالميثاق واعترفتم بلزومه { وأنتم تشهدون } توكيد كقولك . أقر فلان شاهدا على نفسه . وقيل وأنتم أيها الموجودون تشهدون على إقرار أسلافكم ، فيكون إسناد الإقرار إليهم مجازا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ} (84)

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } ( 84 )

والسفك صب الدم وسرد الكلام ، وقرأ طلحة بن مصرف وشعيب بن أبي حمزة «لا تسفُكون » بضم الفاء ، وقرأ أبو نهيك «تُسفِّكون » بضم التاء وكسر الفاء وتضعيفها ، وإعراب { لا تسفكون } كما تقدم في { لا تعبدون } ، و { دماءكم } جمع دم ، وهو اسم منقوص أصله دمي ، وتثنيته دميان ، وقيل أصله دمْي بسكون الميم ، وحركت في التثنية لتدل الحركة على التغيير الذي في الواحد .

وقوله تعالى { ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } معناه ولا ينفي بعضكم بعضاً بالفتنة والبغي ، ولما كانت ملتهم واحدة وأمرهم واحداً وكانوا في الأمم كالشخص الواحد ، جعل قتل بعضهم لبعض ونفي بعضهم بعضاً قتلاً لأنفسهم ونفياً لها ، وكذلك حكم كل جماعة تخاطب بهذا اللف في القول( {[885]} ) ، وقيل { لا تسفكون دماءكم } أي لا يقتل أحد فيقتل قصاصاً ، فكأنه سفك دم نفسه لما سبب ذلك ولا يفسد في الأرض فينفى فيكون قد أخرج نفسه من دياره ، وهذا تأويل فيه تكلف ، وإنما كان الأمر أن الله تعالى قد أخذ على بني إسرائيل في التوراة ميثاقاً أن لا يقتل بعضهم بعضاً ولا ينفيه ولا يسترقه ولا يدعه يسترق إلى غير ذلك من الطاعات .

وقوله تعالى { ثم أقررتم } أي خلفاً بعد سلف أن هذا الميثاق أخذ عليكم والتزمتموه فيتجه في هذه اللفظة أن تكون من الإقرار الذي هو ضد الجحد وتتعدى بالباء ، وأن تكون من الإقرار الذي هو إبقاء الأمر على حاله ، أي أقررتم هذا الميثاق ملتزماً .

وقوله { وأنتم تشهدون }( {[886]} ) قيل الخطاب يراد به من سلف منهم والمعنى وأنتم شهود أي حضور أخذ الميثاق والإقرار ، وقيل إن المراد من كان في مدة محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى وأنتم شهداء أي بينة أن هذا الميثاق أخذ على أسلافكم فمن بعدهم .


[885]:- أي بهذا القول الملفوف أي المجموع والمخلوط من دون بسط ولا تفصيل.
[886]:- تأأكيد للإقرار كما تقول: أقر فلان شاهدا على نفسه، والمعنى: أظهرتم الالتزام بالميثاق، وشهدتم بذلك على أنفسكم قديما وحديثا.