غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ} (84)

83

وأما قوله تعالى { وإذ أخذنا ميثاقكم } فقيل : خطاب لعلماء اليهود في عصر النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : المراد أخذنا ميثاق آبائكم . وقيل : خطاب للأسلاف وتقريع للأخلاف . وفي قوله { لا تسفكون دماءكم } إشكال ، وهو أن الإنسان ملجأ إلى أن لا يقتل نفسه فأي فائدة في النهي ؟ والجواب أن هذا الإلجاء قد يتغير كما ثبت من أهل الهند أنهم يقدرون في قتل النفس التخلص من عالم الفساد واللحوق بعالم النور ، وككثير ممن يصعب عليه الزمان ، أو المراد لا يفعل ذلك بعضكم ببعض جعل غير الرجل نفسه إذا اتصل به أصلاً أو ديناً ، أو أنه إذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه لأنه يقتص منه ، أو لا تتعرضوا لمقاتلة من يغلبكم فتكونوا قد قتلتم أنفسكم . { ولا تخرجون أنفسكم } لا تفعلوا ما تستحقون بسببه أن تخرجوا من دياركم . والمراد إخراج بعضهم بعضاً من ديارهم لأن ذلك مما تعظم فيه الفتنة حتى يقرب من الهلاك . وإعراب { لا تسفكون } و{ لا تخرجون } على قياس ما تقرر في { لا تعبدون } { ثم أقررتم وأنتم تشهدون } أي ثم أقررتم بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه ، وأنتم تشهدون عليها كقولك " فلان مقر على نفسه بكذا شاهد عليها " أو اعترفتم بقبوله وشهد بعضكم على بعض بذلك ، لأنه كان شائعاً فيما بينهم مشهوراً ، وأنتم تشهدون اليوم يا معشر اليهود على إقرار أسلافكم بهذا الميثاق .

/خ86