فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ} (84)

{ وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون } .

{ وإذ أخذنا ميثاقكم } قيل هو خطاب لمن كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود ، والمراد أسلافهم المعاصرون لموسى على سنن التذكيرات السابقة ، وهذا شروع في بيان ما فعلوه بالعهد المتعلق بحقوق العباد بعد بيان ما فعلوه بالعهد المتعلق بحقوق الله وما يجري مجراها ، وقيل لآبائهم وفيه تقريع لهم وتوبيخ { لا تسفكون } أي لا تريقون والسفك الصب وقد تقدم { دماءكم } أي لا يفعل ذلك بعضكم ببعض أو لا تسفكوا دماء غيركم فيسفك دماءكم فكأنكم سفكتم دماء أنفسكم فهو من باب المجاز بأدنى ملابسة ، أو لأنه يوجبه قصاصا فهو من باب إطلاق المسبب على السبب { ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } أي لا يخرج بعضكم بعضا من داره ، وقيل لا تفعلوا شيئا فتخرجوا بسببه من دياركم ، والدار المنزل الذي فيه أبنية المقام بخلاف منزل الارتحال ، وقال الخليل كل موضع حله قوم فهو دار لهم وإن لم يكن فيه أبنية ، وقيل سميت دار لدورها على سكانها كما يسمى الحائط حائطا لإحاطته على ما يحويه { ثم أقررتم } من الإقرار أي حصل منكم الاعتراف بهذا الميثاق المأخوذ عليكم أنه حق { وأنتم تشهدون } يا معشر اليهود ، الشهادة هنا بالقلوب ، وقيل هي بمعنى الحضور أي أنكم الآن تشهدون على أسلافكم بذلك ، وعلى هذا إسنادا لإقرار إليهم مجاز وكان الله سبحانه قد أخذ في التوراة على بني إسرائيل أن لا يقتل بعضهم بعضا ولا ينفيه ولا يسترقه . {[105]}


[105]:روى السدي عن أشياخه مختصرا... كانت قريظة يقاتلون في حرب سمير وإذا أسر الرجل جمعوا له حتى يفدوه، فتعيرهم العرب بذلك كيف تقاتلون وتفدون فيقولون: أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتلهم. فيقولون لهم: فلم تقاتلونهم فيقولون: نستحي أن يستذل حلفاؤنا، فعيرهم الله بالآية التالية.