فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ} (84)

{ تسفكون } تصبون وتريقون وتجرون .

عن ابن عباس ما حاصله : قوله سبحانه { وإذ أخذنا ميثاقكم . . } الآية خطاب من الله تعالى ذكره لليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام هجرته إليه ، مؤنبا لهم على تضييع أحكام ما في أيديهم من التوراة التي كانوا يقرون بحكمها فقال الله تعالى لهم : { ثم أقررتم } يعني بذلك إقرار أوائلكم وسلفكم وأنتم بذلك تشهدون على إقرارهم بأخذ الميثاق عليهم بأن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم ويصدقون بأن ذلك حق من ميثاقي عليهم يقول تبارك وتعالى منكرا على اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس والخزرج وذلك أن الأوس والخزرج – وهم النصارى- كانوا من الجاهلية عباد الأصنام وكانت بينهم حروب كثيرة وكان يهود المدينة ثلاث قبائل : ( بنو قينقاع ) و( بنو النضير ) حلفاء الخزرج و( بنو قريظة ) حلفاء الأوس فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتلوا كل فريق مع حلفائه فيقتل اليهودي الآخر من الفريق الآخر وذلك حرام عليهم في دينهم ونص كتابهم ويخرجونهم من بيوتهم ، وينتهبون ما فيها من الأثاث والأمتعة والأموال ثم إذا وضعت الحرب أوزارها افتكوا الأسارى من الفريق المغلوب عملا بحكم التوراة ولهذا قال تعالى { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } ؟ ولهذا قال تعالى : { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } أي لا يقتل بعضكم بعضا ولا يخرجه من منزله ولا يظاهر عليه وذلك أن أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة كما قال عليه الصلاة والسلام ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم بمنزلة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) وقوله تعالى : { ثم أقررتم وأنتم تشهدون } ثم أقررتم بمعرفة هذا الميثاق وصحته وأنتم تشهدون به .