معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ} (35)

قوله تعالى : { يرسل عليكما شواظ من نار } قرأ ابن كثير : بكسر الشين والآخرون بضمها ، وهما لغتان ، مثل : صوار من البقر وصوار . وهو اللهيب الذي لا دخان فيه هذا قول أكثر المفسرين . وقال مجاهد : هو اللهب الأخضر المنقطع من النار ، { ونحاس } قرأ ابن كثير وأبو عمرو " ونحاس " بجر السين عطفاً على النار ، وقرأ الباقون برفعهما عطفاً على " الشواظ " . قال سعيد بن جبير والكلبي : النحاس : الدخان وهو رواية عطاء عن ابن عباس . ومعنى الرفع يرفع يرسل عليكما شواظ ، ويرسل النحاس ، هذا مرة وهذا مرة ، ويجوز أن يرسل معاً من غير أن يمتزج أحدهما بالآخر ، ومن جر بالعطف إلى النار يكون ضعيفاً لأنه لا يكون شواظ من نحاس ، فيجوز أن يكون تقديره : شواظ من نار وشيء من نحاس ، على أنه حكي أن الشواظ لا يكون إلا من النار والدخان جميعاً . قال مجاهد وقتادة : النحاس هو الصفر المذاب يصب على رؤوسهم ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس . وقال عبد الله بن مسعود : النحاس هو المهل . { فلا تنتصران } أي فلا تمتنعان من عذاب الله ولا يكون لكم ناصر منه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ} (35)

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الشواظ : هو لهب النار .

وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : الشواظ : الدخان .

وقال مجاهد : هو : اللهيب{[27885]} الأخضر المنقطع . وقال أبو صالح الشواظ هو اللهيب{[27886]} الذي فوق النار ودون الدخان . وقال الضحاك : { شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ } سيل من نار .

وقوله : { وَنُحَاسٌ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَنُحَاسٌ } دخان النار . وروي مثله عن أبي صالح ، وسعيد بن جبير ، وأبي سنان .

قال ابن جرير : والعرب تسمي الدخان نحاسا - بضم النون وكسرها - والقراء {[27887]} مجمعة على الضم ، ومن النحاس بمعنى الدخان قول نابغة جعدة{[27888]} :

يُضِيءُ كَضَوءِ سراج السَّلِي *** ط لم يَجْعَل اللهُ فيه نُحَاسا

يعني : دخانا ، هكذا قال{[27889]} .

وقد روى الطبراني من طريق جُويَبْر ، عن الضحاك ، أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن الشواظ فقال : هو اللهب الذي لا دخان معه . فسأله شاهدا على ذلك من اللغة ، فأنشده قول أمية بن أبي الصلت في حسان :

ألا من مُبلغٌ حَسًّان عَنِّي *** مُغَلْغلةً تدبّ {[27890]} إلى عُكَاظِ

أليس أبُوكَ فِينَا كان قَينًا *** لَدَى {[27891]} القينَات فَسْلا في الحَفَاظ

يَمَانِيًّا يظل يَشدُ{[27892]} كِيرًا *** وينفخ دائبًا لَهَبَ الشُّواظِ

قال : صدقت ، فما النحاس ؟ قال : هو الدخان الذي لا لهب له . قال : فهل تعرفه العرب ؟ قال : نعم ، أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول{[27893]}

يُضِيءُ كَضَوء سَراج السَّلي***ط لَمْ يَجْعَل اللهُ فيه نُحَاسا{[27894]}

وقال مجاهد : النحاس : الصُّفّر ، يذاب {[27895]} فيصب على رؤوسهم . وكذا قال قتادة . وقال الضحاك : { ونحاس } سيل من نحاس .

والمعنى على كل قول : لو ذهبتم هاربين يوم القيامة لردتكم الملائكة والزبانية بإرسال اللهب من النار والنحاس المذاب عليكم لترجعوا{[27896]} ؛ ولهذا قال : { فَلا تَنْتَصِرَانِ . فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }


[27885]:- (1) في م، أ: "اللهب".
[27886]:- (2) في م، أ: "اللهب".
[27887]:- (3) في م: "القراءة".
[27888]:- (4) في م، أ "نابغة بني جعدة" وفي تفسير الطبري: "نابغة بني ذبيان" ولم أجده في ديوانه، والبيت في مجاز القرآن لأبي عبيدة منسوبا للنابغة الجعدي 2/244، 245، والبيت أيضا في ديوان الجعدي واللسان، مادة "نحس" مستفادا من هامش ط. الشعب.
[27889]:- (5) تفسير الطبري (27/81).
[27890]:- (6) في م: "يدب".
[27891]:- (7) في م: "إلى".
[27892]:- (8) في م: "يشب".
[27893]:- (9) كذا، وقد سبق تخريج البيت ونسبته إلى الجعدي.
[27894]:- (10) المعجم الكبير (10/305) وفيه جويبر وهو متروك لم يلق ابن عباس.
[27895]:- (11) في م: "المذاب".
[27896]:- (1) في م: "لرجعوا".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ} (35)

والشواظ : لهب النار . قاله ابن عباس وغيره . وقال أبو عمرو بن العلاء : لا يكون الشواظ إلا من النار وشيء معها ، وكذلك النار كلها لا تحس إلا وشيء معها . وقال مجاهد : الشواظ ، هو اللهب الأخضر المتقطع ، ويؤيد هذا القول . قول حسان بن ثابت يهجو أمية بن أبي الصلت :

هجوتك فاختضعت حليفا ذل . . . بقاقية تؤجج كالشواظ{[10832]}

وقال الضحاك : هو الدخان الذي يخرج من اللهب وليس بدخان الحطب .

وقرأ الجمهور : «شُواظ » بضم الشين . وقرأ ابن كثير وحده{[10833]} وشبل وعيسى : «شِواظ » بكسر الشين وهما لغتان .

وقال ابن عباس وابن جبير : النحاس الدخان ، ومنه قول الأعشى : [ المتقارب ]

تضيء كضوء سراج السليط . . . لم يجعل الله فيه نحاسا{[10834]}

السليط دهن السراج . في النسخ التي بأيدينا دهن الشيرج .

وقرأ جمهور القراء : «ونحاسٌ » بالرفع عطفاً على { شواظ } ، فمن قال إن النحاس : هو المعروف ، وهو قول مجاهد وابن عباس أيضاً قال يرسل عليهما نحاس : أي يذاب ويرسل عليهما . ومن قال هو الدخان ، قال ويعذبون بدخان يرسل عليهما . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والنخعي وابن أبي إسحاق : «ونحاسٍ » بالخفض عطفاً على { نار } ، وهذا مستقيم على ما حكيناه عن أبي عمرو بن العلاء . ومن رأى الشواظ يختص بالنار قدر هنا : وشيء من نحاس . وحكى أبو حاتم عن مجاهد أنه قرأ : «ونِحاسٍ » بكسر النون والجر . وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قرأ : «ونَحُسّ » بفتح النون وضم الحاء والسين المشددة ، كأنه يقول : ونقتل بالعذاب{[10835]} . وعن أبي جندب أنه قرأ : «ونحس » ، كما تقول : يوم نحس ، وحكى أبو عمرو مثل قراءة مجاهد عن طلحة بن مصرف ، وذلك لغة في نحاس ، وقيل هو جمع نحس .

ومعنى الآية : مستمر في تعجيز الجن والإنس ، أي أنتما بحال من يرسل عليه هذا فلا ينتصر .


[10832]:هذا البيت من قصيدة قالها حسان بن ثابت في الرد على هجاء أمية بن خلف له، وليس أمية بن أبي الصلت، والذي قاله أمية بن أبي الصلت هو الثعلبي في تفسيره، وكذلك الماوردي، ولكن ورد في الصحاح، واللسان، والتاج، وكتاب الوقف والابتداء لابن الأنباري وديوان حسان أن الأبيات في الرد على أمية بن خلف حين قال يهجو حسان بن ثابت: ألا من مُبلغ حسان عني مُغلغلة تدب إلى عكاظ أليس أبوك فينا كان قينا لدى القينات فسلا في الحفاظ يمانيا يظل يشد كيرا وينفخ دائبا لهب الشواظ؟ ورواية البيت في الديوان تختلف كثيرا عما هنا، فهو هناك: مجللة تعممكم شنارا مضرمة تأجج كالشواظ والشنّار: الأمر المشهور بالشنعة والقبح، ويقال: عار وشنار. وتعممكم: تشملكم جميعا وتتناول كل فرد منكم، أما رواية البيت كما ذكرها ابن عطية هنا فهي التي وردت في سيرة ابن هشام مع اختلاف يسير عما هنا، فقد وردت هكذا: هجوتك فاختضعت لذل نفس بقافية تأجج كالشواظ والشاهد في بيت حسان وفي شعر أمية بن خلف استعمال الشواظ بمعنى اللهب.
[10833]:أي وحده من بين السبعة المشهورين في القراءة.
[10834]:هذا البيت للنابغة الجعدي، عبد الله بن قيس، وليس للأعشى، وهو من قصيدة مشهورة للجعدي يقول في مطلعها: لبست أناسا فأفنيتهم وأفنيت بعد أناس اناسا وهو في الصحاح، والتاج، واللسان، وخزانة الأدب، والكامل. والسليط عند عامة العرب: الزيت، وعند أهل اليمن: دهن السمن وهو الشيرج كما يقول ابن عطية، والنحاس: الدخان وهو الشاهد هنا. والضمير في "يضيء" يعود على وجه الفتاة الذي ذكره في البيت السابق وهو: أضاءت لنا النار وجها أغـ ر ملتبسا بالفؤاد التباسا.
[10835]:قال أبو الفتح:"نحس" أي نقتل بالعذاب، يقال: حس القوم يحسهم حسا إذا استأصلهم، قال الله تعالى:{إذ تحسونهم بإذنه}، أي: تقتلونهم قتلا ذريعا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ} (35)

استئناف بياني عن جملة { إن استطعتم أن تنفذوا } [ الرحمن : 33 ] الخ لأن ذلك الإِشعار بالتهديد يثير في نفوسهم تساؤلاً عمّا وَراءه .

وضمير { عليكما } راجع إلى الجنّ والإِنس فهو عام مراد به الخصوص بالقرينة ، وهي قوله بعده : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن : 46 ] الآيات . وهذا تصريح بأنهم معاقبون بعد أن عُرض لهم بذلك تعريضاً بقوله : { إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا } [ الرحمن : 33 ] .

ومعنى { يرسل عليكما } أن ذلك يعترضهم قبل أن يَلجوا في جهنم ، أي تقذفون بشُواظ من نار تعجيلاً للسوء . والمضارع للحال ، أي ويرسل عليكما الآن شواظ .

والشواظ بضم الشين وكسرها : اللهب الذي لا يخالطه دخان لأنه قد كمل اشتعاله وذلك أشد إحراقاً . وقرأه الجمهور بضم الشين . وقرأه ابن كثير بكسرها .

والنّحاس : يطلق على الدخان الذي لا لهب معه . وبه فسر ابن عباس وسعيد بن جبير وتبعهما الخليل .

والمعنى عليه : أن الدخان الذي لم تلحقهم مضرته والاختناق به بسبب شدة لهب الشواظ يضاف إلى ذلك الشواظ على حياله فلا يفلتون من الأمرينِ .

ويطلق النحاس على الصُّفْر وهو القِطر . وبه فسر مجاهد وقتادة ، وروي عن ابن عباس أيضاً . فالمعنى : أنه يصبّ عليهم الصُّفْر المُذاب .

وقرأ الجمهور { ونحاس } بالرفع عطفاً على { شواظ } . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وروْح عن يعقوب مجروراً عطفاً على { نار } فيكون الشواظ منه أيضاً ، أي شواظ لهب من نار ، ولهب من نحاس ملتهب . وهذه نار خارقة للعادة مثل قوله تعالى : { وقودها الناس والحجارة } [ البقرة : 24 ] .

ومعنى { فلا تنتصران } : فلا تجدان مخلصاً من ذلك ولا تجدان ناصراً .

والناصر : هنا مراد منه حقيقته ومجازه ، أي لا تجدان من يدفع عنكما ذلك ولا ملجأ تتّقيان به .