التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ} (35)

استئناف بياني عن جملة { إن استطعتم أن تنفذوا } [ الرحمن : 33 ] الخ لأن ذلك الإِشعار بالتهديد يثير في نفوسهم تساؤلاً عمّا وَراءه .

وضمير { عليكما } راجع إلى الجنّ والإِنس فهو عام مراد به الخصوص بالقرينة ، وهي قوله بعده : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن : 46 ] الآيات . وهذا تصريح بأنهم معاقبون بعد أن عُرض لهم بذلك تعريضاً بقوله : { إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا } [ الرحمن : 33 ] .

ومعنى { يرسل عليكما } أن ذلك يعترضهم قبل أن يَلجوا في جهنم ، أي تقذفون بشُواظ من نار تعجيلاً للسوء . والمضارع للحال ، أي ويرسل عليكما الآن شواظ .

والشواظ بضم الشين وكسرها : اللهب الذي لا يخالطه دخان لأنه قد كمل اشتعاله وذلك أشد إحراقاً . وقرأه الجمهور بضم الشين . وقرأه ابن كثير بكسرها .

والنّحاس : يطلق على الدخان الذي لا لهب معه . وبه فسر ابن عباس وسعيد بن جبير وتبعهما الخليل .

والمعنى عليه : أن الدخان الذي لم تلحقهم مضرته والاختناق به بسبب شدة لهب الشواظ يضاف إلى ذلك الشواظ على حياله فلا يفلتون من الأمرينِ .

ويطلق النحاس على الصُّفْر وهو القِطر . وبه فسر مجاهد وقتادة ، وروي عن ابن عباس أيضاً . فالمعنى : أنه يصبّ عليهم الصُّفْر المُذاب .

وقرأ الجمهور { ونحاس } بالرفع عطفاً على { شواظ } . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وروْح عن يعقوب مجروراً عطفاً على { نار } فيكون الشواظ منه أيضاً ، أي شواظ لهب من نار ، ولهب من نحاس ملتهب . وهذه نار خارقة للعادة مثل قوله تعالى : { وقودها الناس والحجارة } [ البقرة : 24 ] .

ومعنى { فلا تنتصران } : فلا تجدان مخلصاً من ذلك ولا تجدان ناصراً .

والناصر : هنا مراد منه حقيقته ومجازه ، أي لا تجدان من يدفع عنكما ذلك ولا ملجأ تتّقيان به .