التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ} (35)

[ 2 ] شواظ : قيل إنه الشرر أو اللهب .

[ 3 ] نحاس : ذكر الطبري أن العرب تسمي الدخان نحاسا بكسر النون . وذكر احتمال أن يكون المعدن المعروف الذي كان يسمى صفرا . وروى البغوي عن قتادة أن المقصود هو النحاس المذاب وهذا إنما يكون من شدّة الحرارة .

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ { 31 } فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 32 } يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا [ 1 ] مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ { 33 } فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 34 } يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ [ 2 ] مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ [ 3 ] فَلَا تَنتَصِرَانِ { 35 } فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 36 }

وهذه المقاطع فصل جديد آخر ، ولكنه غير منقطع عن الفصول السابقة والسياق السابق . فالثقلان هما الإنس والجنّ . والسؤال في اللازمة موجه إلى المكذبين منهما . وقد وجّه الخطاب في الآيات إليهما مباشرة . واحتوت وعيدا وتحدّيا للمكذبين منهما . فلسوف يفرغ الله لحسابهم على أعمالهم . ولن يستطيعوا أن ينجوا من قبضته ويهربوا من نطاق سلطانه من أي ناحية في السموات والأرض ، ولن تتيسر لأحد النجاة إلا ببرهان أي بإذن من الله تعالى وحجّة مقبولة عنده . وهي الإيمان والعمل الصالح كما هو المتبادر . ولسوف يرشقون بشواظ من النيران والمذاب من النحاس الحارّ فيغلبون أمام الله ويخذلون ، ولا ينتصرون ولا يكون لهم أي غلبة ومخلّص .

ولقد اقتضت حكمة التنزيل أن تكون معظم أوصاف النعم والعذاب الأخرويين مستمدة من مألوفات الدنيا على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة . والراجح أن الرشق بالنار والنحاس المذاب من هذا الباب ؛ حيث يصح القول والحالة هذه أن العرب كانوا يعرفون أو يسمعون بأن ذلك من وسائل الحرب الشديدة . ولعلها مما كان يعرف بالنار اليونانية ومواد القذف النارية الأخرى .

وتعبير { سنفرغ لكم } تعبير أسلوبي كما هو المتبادر . فالله عز وجل لا يشغله شأن عن شأن حتى يصحّ في حقه معنى الشغل والتفرّغ والفراغ . والمقصود منه كما قلنا الإنذار والتهديد بأن الله سوفي يحاسبهم ويجزيهم بما يستحقون .

ولقد ذكر في سورة الجن وسورة الأحقاف وغيرهما شمول تكليف الله للجن وشمول حساب الآخرة وثوابها وعقابها لهم تبعا لذلك وأسوة بالإنس ، ولما كان هذا مما أخبر به القرآن في جملة ما أخبر به من شؤون الجن المغيبة فقد صار من الواجب الإيمان به والوقوف منه عندما وقف القرآن بدون تزيد . مع ملاحظة أن ذكر ذلك لا بدّ من أن يكون له حكمة ربانية . ولعل منها تقرير كون الجن –الذين يعبدهم العرب ويعوذون بهم ويشركونهم في الدعاء مما حكته آيات عديدة في سور سابقة هم أيضا- خاضعين لأمر الله ينال المحسن منهم ثوابه والمسيء عقابه في الآخرة .

ولقد وهم بعضهم أن بين هذه الآيات وبخاصة بين الآية الأولى منها وما يجري اليوم من محاولات الارتفاع في الفضاء والوصول إلى القمر والكواكب الأخرى شيئا من التعارض ، حتى لقد أرسل لي أمين عام جماعة الإرشاد الإسلامية في شيرون في جاوا أندينوسيا يسألني عن ذلك . وواضح من الآيات وشرحها أنها في صدد الآخرة وعذابها وإنذار الجن والإنس بهما . وننبه في هذه المناسبة إلى أنه ليس بين تلك المحاولات والنصوص القرآنية أي تعارض . وأن القرآن بما نبّه عليه في الآيات العديدة ومن تسخير الله تعالى السموات والأرض وما بينهما والشمس والقمر والنجوم هو في مقام الحضّ على بذل الجهد في سبيل معرفة كل شيء عن ذلك والانتفاع بكل ناموس أودعه الله في كونه والتنبيه على أن ذلك هو بسبيل معرفة عظمة الله وقدرته وبديع صنعه واستحقاقه وحده للعبادة والاتجاه . والله تعالى أعلم .