معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلٗا رَّجُلَيۡنِ جَعَلۡنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيۡنِ مِنۡ أَعۡنَٰبٖ وَحَفَفۡنَٰهُمَا بِنَخۡلٖ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمَا زَرۡعٗا} (32)

قوله تعالى : { واضرب لهم مثلاً رجلين } الآية ، قيل : نزلت في أخوين من أهل مكة من بني مخزوم ، أحدهما مؤمن ، وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل وكان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم ، والآخر كافر وهو الأسود بن عبد الأسد بن ياليل . وقيل : هذا مثل لعيينة بن حصن وأصحابه مع سلمان ، وأصحابه ، شبههما برجلين من بني إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه يهوذا في قول ابن عباس ، وقال مقاتل : تمليخا ، و الآخر كافر واسمه قطروس ، وقال وهب : قطفير ، وهما اللذان وصفهما الله تعالى في سورة الصافات ، وكانت قصتهما ، على ما حكى عبد الله بن المبارك عن معمر عن عطاء الخراساني قال : كان رجلان شريكين لهما ثمانية آلاف دينار ، وقيل : كانا أخوين ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها ، فعمد أحدهما فاشترى أرضاً بألف دينار ، فقال صاحبه : اللهم إن فلاناً قد اشترى أرضاً بألف دينار ، فإني أشتري منك أرضاً في الجنة بألف دينار ، فتصدق بألف دينار ، ثم إن صاحبه بنى داراً بألف دينار ، فقال هذا : اللهم إن فلاناً بنى داراً بألف دينار ، فإني اشتري منك داراً في الجنة بألف دينار ، فتصدق بذلك ثم تزوج صاحبه امرأة فأنفق عليها ألف دينار ، فقال هذا المؤمن : اللهم إني أخطب إليك امرأة من نساء الجنة بألف دينار ، فتصدق بها ، ثم اشترى صاحبه خدماً ومتاعاً بألف دينار ، فقال هذا : اللهم إني أشتري منك متاعاً وخدماً في الجنة بألف دينار ، فتصدق بألف دينار ، ثم أصابته حاجة شديدة ، فقال : لو أتيت صاحبي لعله ينالني منه معروف ، فجلس على طريقه حتى مر به في حشمه ، فقام إليه فنظر إليه الآخر فعرفه ، فقال : فلان ؟ قال : نعم ، فقال : ما شأنك ؟ قال : أصابتني حاجة بعدك فأتيتك لتصيبني بخير ، فقال : ما فعل مالك وقد اقتسمنا مالاً واحداً ، وأخذت شطره ؟ فقص عليه قصته ، فقال : وإنك لمن المصدقين بهذا ؟ اذهب فلا أعطيك شيئاً ، فطرده فقضى لهما أن توفيا ، فنزل فيهما : { فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قال قائل منهم إني كان لي قرين } [ الصافات 50 - 51 ] . وروي أنه لما أتاه أخذ بيده وجعل يطوف به ويريه أموال نفسه ، فنزل فيهما . ( واضرب لهم مثلاً رجلين ) اذكر لهم خبر رجلين ، { جعلنا لأحدهما جنتين } بستانين { من أعناب وحففناهما بنخل } ، أي : أطفناهما من جوانبها بنخل ، والحفاف : الجانب ، وجمعه أحفة ، يقال : حف به القوم أي : طافوا بجوانبه ، { وجعلنا بينهما زرعاً } أي : جعلنا حول الأعناب النخيل ، ووسط الأعناب الزرع . وقيل بينهما أي : بين الجنتين زرعاً يعني : لم يكن بين الجنتين موضع خراب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلٗا رَّجُلَيۡنِ جَعَلۡنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيۡنِ مِنۡ أَعۡنَٰبٖ وَحَفَفۡنَٰهُمَا بِنَخۡلٖ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمَا زَرۡعٗا} (32)

يقول الله تعالى بعد ذكر{[18170]} المشركين المستكبرين عن مجالسة{[18171]} الضعفاء والمساكين من المسلمين ، وافتخروا عليهم بأموالهم وأحسابهم ، فضرب لهم{[18172]} مثلا برجلين ، جعل الله { لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ } أي : بستانين من أعناب ، محفوفتين بالنخل{[18173]} المحدقة في جنباتهما ، وفي خلالهما الزروع ، وكل من الأشجار والزروع مثمر مُقبلٌ في غاية الجود ؛ ولهذا قال : { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا }


[18170]:في ت، ف: "ذكره".
[18171]:في ت: "مجالسهم".
[18172]:في ت، ف، أ: "لهم ولهم".
[18173]:في ف، أ: "بالنخيل".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلٗا رَّجُلَيۡنِ جَعَلۡنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيۡنِ مِنۡ أَعۡنَٰبٖ وَحَفَفۡنَٰهُمَا بِنَخۡلٖ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمَا زَرۡعٗا} (32)

الضمير في { لهم } عائد على الطائفة المتجبرة التي أرادت من النبي عليه السلام أن يطرد فقراء المؤمنين { الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } [ الكهف : 28 ] وعلى أولئك الداعين أيضاً ، فالمثل مضروب للطائفتين ، إذ الرجل الكافر صاحب الجنتين هو بإزاء متجبر في قريش أو بني تميم على الخلاف المذكور أولاً ، والرجل المؤمن المقر بالربوبية ، هو بإزاء بلال وعمار وصهيب وأقرانهم { وحففناهما } بمعنى وجعلنا ذلك لها من كل جهة ، تقول حفك الله بخير : أي عمك به من جهاتك ، و «الحفاف » الجانب من السرير والفدان ونحوه ، وظاهر هذا المثل أنه بأمر وقع وكان موجوداً ، وعلى ذلك فسره أكثر أهل هذا التأويل ، ويحتمل أن يكون مضروباً بمن هذه صفته وإن لم يقع ذلك في وجود قط ، والأول أظهر ، وروي في ذلك أنهما كانا أخوين من بني إسرائيل ، ورثا أربعة آلاف دينار فصنع أحدهما بماله ما ذكر واشترى عبيداً وتزوج وأثرى ؛ وأنفق الآخر ماله في طاعات الله عز وجل حتى افتقر ، والتقيا ففخر الغني ووبخ المؤمن ، فجرت بينهما هذه المحاورة ، روي أنهما كانا شريكين حدادين ، كسبا مالاً كثيراً وصنعا نحو ما روي في أمر الأخوين ، فكان من أمرهما ما قص الله في كتابه ، وذكر إبراهيم بن القاسم الكاتب في كتابه في عجائب البلاد ، أن بحيرة تنيس{[7806]} كانت هاتين الجنتين ، وكانتا لأخوين ، فباع أحدهما نصيبه من الآخر ، وأنفق في طاعة الله حتى عيره الآخر ، وجرت بينهما هذه المحاورة ، قال : فغرقها الله في ليلة ، وإياها عنى بهذه الآية ، وفي بسط قصصهما طول فاختصرته واقتصرت على معناه لقلة صحته ، ولأن في هذا ما يفي بفهم الآية ، وتأمل هذه الهيئة التي ذكر الله ، فإن المرء لا يكاد يتخيل أجمل منها في مكاسب الناس : جنتا عنب أحاط بهما نخل ، بينهما فسحة ، هي مزدرع لجميع الحبوب ، والماء الغيل{[7807]} يسقى جميع ذلك من النهر الذي قد جمل هذا المنظر ، وعظم النفع ، وقرب الكد ، وأغنى عن النواضح وغيرها .


[7806]:ضبطها الحموي في (معجم البلدان) بكسر التاء والنون مع تشديد النون، وقال: هي جزيرة في بحر مصر قريبة من البر، ما بين الفرما ودمياط، ثم وصف بحيرتها، وتكلم عن تاريخها وعلمائها وأطال في ذلك. فهل هي المقصودة هنا؟
[7807]:الغيل: الماء الجاري على وجه الأرض، وقد نقل أبو حيان في البحر كلام ابن عطية هنا، وجاءت العبارة فيه: "والماء المعين يسقي جميع ذلك".