معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ حِجَابٗا مَّسۡتُورٗا} (45)

قوله عز وجل : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } ، يحجب قلوبهم عن فهمه والانتفاع به . قال قتادة : هو الأكنة ، والمستور بمعنى الساتر كقوله : { إنه كان وعده مأتياً } [ مريم – 61 ] مفعول بمعنى الفاعل . وقيل : مستور عن أعين الناس فلا يرونه . وفسره بعضهم بالحجاب عن الأعين الظاهرة ، كما روي عن سعيد بن جبير أنه " لما نزلت : { تبت يدا أبي لهب } جاءت امرأة أبي لهب ومعها حجر ، والنبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر ، فلم تره ، فقالت لأبي بكر : أين صاحبك لقد بلغني أنه هجاني ؟ فقال : والله ما ينطق بالشعر ، ولا يقوله ، فرجعت وهي تقول قد كنت جئت بهذا الحجر لأرضخ رأسه ، فقال أبو بكر : ما رأتك يا رسول الله ، قال : لا ، لم يزل ملك بيني وبينها يسترني " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ حِجَابٗا مَّسۡتُورٗا} (45)

يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : وإذا قرأت - يا محمد - على هؤلاء المشركين القرآن ، جعلنا بينك وبينهم حجابا مستورًا .

قال قتادة ، وابن زيد : هو الأكنّة على قلوبهم ، كما قال تعالى : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } [ فصلت : 5 ] أي : مانع حائل{[17560]} أن يصل إلينا مما تقول شيء .

وقوله : { حِجَابًا مَسْتُورًا } أي : بمعنى ساتر ، كميمون ومشئوم ، بمعنى : يامن وشائم ؛ لأنه من يَمنهم وشَأمَهم .

وقيل : مستورًا عن الأبصار فلا تراه ، وهو مع ذلك حجاب بينهم وبين الهدى ، ومال إلى ترجيحه ابن جرير ، رحمه الله .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أبو موسى الهروي إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا سفيان ، عن الوليد بن كثير ، عن يزيد بن تدرس ، عن أسماء بنت أبي بكر [ الصديق ]{[17561]} رضي الله عنها{[17562]} ، قالت : لما نزلت { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب وَتبٍٍَ } [ سورة المسد ] جاءت العوراء أم جميل ولها ولوَلة ، وفي يدها فِهْر وهي تقول : مُدَمَّما أتينا - أو : أبينا ، قال أبو موسى : الشك مني - ودينه قَلَيْنَا ، وأمره عصينا . ورسول الله جالس ، وأبو بكر إلى جنبه - أو قال : معه - قال : فقال أبو بكر : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك ، فقال : " إنها لن تراني " ، وقرأ قرآنا اعتصم به منها : { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } . قال : فجاءت حتى قامت على أبي بكر ، فلم تر النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا أبا بكر ، بلغني أن صاحبك هجاني . فقال أبو بكر : لا ورب هذا البيت ما هجاك . قال : فانصرفت وهي تقول : لقد{[17563]} علمت قريش أني بنت سيدها{[17564]} .


[17560]:في ف: "مانع وحائل".
[17561]:زيادة من ت.
[17562]:في ف، أ: "عنهما".
[17563]:في ف: "قد".
[17564]:مسند أبي يعلى (1/53) وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (7/169).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ حِجَابٗا مَّسۡتُورٗا} (45)

{ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً } يجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم . { مستوراً } ذا ستر كقوله تعالى : { وعده مأتيا } وقولهم سيل مفعم ، أو مستورا عن الحس ، أو بحجاب آخر لا يفهمون ولا يفهمون أنهم لا يفهمون نفي عنهم أن يفهموا ما أنزل عليهم من الآيات بعدما نفى عنهم التفقه للدلالات المنصوبة في الأنفس والآفاق تقريرا له وبيانا لكونهم مطبوعين على الضلالة كما صرح به بقوله :

{ وجعلنا على قلوبهم أكنّة } .