التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ حِجَابٗا مَّسۡتُورٗا} (45)

قوله تعالى : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ( 45 ) وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولو على أدبارهم نفورا ( 46 ) نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( 47 ) انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ( 48 ) } .

أي إذا قرأت يا محمد على هؤلاء المشركين جعلنا بينك وبينهم ( حجابا مستورا ) أي مانعا يحول دون رؤيتهم إياك أو وصولهم إليك . و ( مستورا ) بمعنى ساتر . وفي ذلك قال الحافظ أبو يعلى عن أسماء بنت أبي بكر ( رضي الله تعالى عنها ) قالت : لما نزلت سورة ( تبت يدا أبي لهب وتب ) أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر{[2691]} وهي تقول :

مذمّما عصينا *** وأمره أبينا *** ودينه قلينا

والنبي ( ص ) قاعد في المسجد ، ومعه أبو بكر ( رضي الله عنه ) . فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله لقد أقبلت وأنا أخاف أن تراك . قال رسول الله ( ص ) : " إنها لن تراني " وقرأ قرآنا فاعتصم به منها . وقرأ : ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) فوقفت على أبي بكر ( رضي الله عنه ) ولم تر رسول الله ( ص ) فقالت : يا أبا بكر أُخبِرْت أن صاحبك هجاني . فقال : لا ورب هذا البيت ما هجاك . قال : فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها .

ويزاد إلى هذه الآية أول سورة " يس " ؛ فإن ذلك يعصم قارئ هذه الآيات من كيد الظالمين وشرهم . فقد جاء في السيرة عن هجرة النبي ( ص ) ومُقَام علي ( رضي الله عنه ) في فراشه أن رسول الله ( ص ) أخذ لدى خروجه حفنة من تراب في يده ، وأخذ الله عز وجل على أبصارهم عنه فلا يرونه ؛ فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات من يس ( يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم ) إلى قوله : ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) حتى فرغ رسول الله ( ص ) من هذه الآيات ، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا . ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب{[2692]} .


[2691]:- الفهر: بالكسر، الحجر قدر ما يدق به الجوز أو ما يملأ الكف. وجمعه أفهار. انظر القاموس المحيط جـ2 ص 116.
[2692]:- تفسير ابن كثير جـ3 ص 43 وتفسير القرطبي جـ10 ص 269.