فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ حِجَابٗا مَّسۡتُورٗا} (45)

{ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرءانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا ( 45 ) }

ولما فرغ الله سبحانه من الإلهيات شرع في ذكر بعض من آيات القرآن وما يقع من سامعيه فقال : { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ } وهم المنكرون للبعث { حِجَابًا مَّسْتُورًا } يحجب قلوبهم عن فهمه والانتفاع به أي أنهم لإعراضهم عن قراءتك وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب يمرون بك ولا يرونك ، ذكر معناه الزجاج وغيره ومعنى مستورا ساترا .

قال الأخفش : والفاعل قد يكون في لفظ المفعول كما تقول إنك لمشؤوم وميمون وإنا هو شائم ويامن ، وقيل معناه ذا ستر كقولهم سيل مفعم أي ذو أفعام ، وقيل هو حجاب لا تراه الأعين فهو مستور عنها ، وقيل حجاب من دونه حجاب فهو مستور بغيره ، وقيل المراد بالحجاب المستور الطبع والختم ؛ قال السيوطي : نزل فيمن أراد الفتك به صلى الله عليه وآله وسلم انتهى . كأبي جهل وأم جميل زوجة أبي لهب .

والمراد بما في الآية مطلق القرآن أو ثلاث آيات مشهورات من النحل والكهف والجاثية وهي في سورة النحل : { أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم } الآية وفي سورة الكهف : { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه } الآية وفي حم الجاثية : { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم } الآية فكأن الله تعالى يحجبه ببركة هذه الآيات عن عيون المشركين . ذكره الخطيب .

وفي القرطبي : { قلت } ويزاد إلى هذه الآيات أول سورة يس إلى قوله : { فهم لا يبصرون } فإن في السيرة في هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومقام علي في فراشه قال :وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده وأخذ الله على أبصارهم فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات من يس حتى فرغ ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ثم انصرف إلى حيث أراد أن ينصرف .