غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ حِجَابٗا مَّسۡتُورٗا} (45)

41

ولما فرغ من الإلهيات شرع في النبوّات فقال : { وإذا قرأت القرآن } قيل : نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن عليهم . يروى أنه كان كلما قرأ القرآن قام عن يمينه وعن يساره أحزاب من ولد قصيّ يصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار . وعن أسماء . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ومعه أبو بكر إذا أقبلت امرأة أبي لهب ومعها حجر فهر تريد الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تقول : مذمماً أتينا ، ودينه قلينا ، وأمره عصينا . فقال أبو بكر : يا رسول الله إن معها حجراً أخشى عليك . فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات . فجاءت وما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقالت : إن قريشاَ قد علمت أني ابنة سيدها وإن صاحبك هجاني فقال أبو بكر : ورب هذه الكعبة ما هجاك . وعن ابن عباس : أن أبا سفيان والنضر بن الحرث وأبا جهل وغيرهم كانوا يجالسون الرسول صلى الله عليه وسلم ويسمعون حديثه . فقال النضر يوماً : ما أدري ما يقول محمد غير أني أرى شفتيه تتحركان بشيء . وقال أبو سفيان : إني أرى بعض ما يقوله حقاً . وقال أبو جهل : هو مجنون . وقال أبو لهب : كاهن . وقال حويطب بن عبد العزى : هو شاعر نزلت . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد تلاوة القرآن تلا قبلها ثلاث آيات وهن في سورة الكهف { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً } [ الآية : 57 ] وفي النحل : { أولئك الذين طبع الله على قلوبهم } { الآية : 108 ] وفي " حم الجاثية " { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } [ الآية : 23 ] . وكان الله تعالى يحجبه ببركات هذه الآيات عن عيون المشركين وذلك قوله : { جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } أي ذا ستر وقد جاء مفعول بمعنى ذا كذا كما جاء فاعل على ذلك كثير نحو " لابن وتامر " من ذلك قولهم " رجل مرطوب " أي ذو رطوبة ، و " مكان مهول " و " ذهول " و " سبل مفعم " ذو إفعام . وجوّز الأخفش مجيء مفعول بمعنى فاعل مثل " مشؤوم " و " ميمون " . وقيل : إنه حجاب يخلقه الله في عيونهم بحيث يمنعهم الحجاب عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وذلك الحجاب شيء لا يراه أحد فهو مستور . وعلى هذا يصح قول الأشاعرة إنه يجوز أن تكون الحاسة سليمة والمرئي حاضراً والرؤية غير حاصلة لأجل أنه تعالى يخلق في العيون شيئاً يمنعهم من الرؤية ، ويحتمل أن يراد حجاب من دونه حجاب أو حجب فهو مستور بغيره أو حجاب يستر أن يبصر فكيف يبصر المحتجب به .

/خ60