إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَيۡنَكَ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ حِجَابٗا مَّسۡتُورٗا} (45)

{ وَإِذَا قَرَأْتَ القرآن } الناطقَ بالتسبيح والتنزيهِ ودعوتَهم إلى العمل بما فيه من التوحيد ورفضِ الشرك وغيرِ ذلك من الشرائع { جَعَلْنَا } بقدرتنا ومشيئتنا المبنيةِ على دواعي الحِكَم الخفية { بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة } أُوثر الموصولُ على الضمير ذمًّا لهم بما في حيز الصلة ، وإنما خُصَّ بالذكر كفرُهم بالآخرة من بين سائرِ ما كفروا به من التوحيد ونحوِه دَلالةً على أنها مُعظمُ ما أُمروا بالإيمان به في القرآن ، وتمهيداً لما سينقل عنهم من إنكار البعثِ واستعجالِه ونحو ذلك { حِجَاباً } يحجبهم من أن يدركوك على ما أنت عليه من النبوة ويفهموا قدرَك الجليلَ ، ولذلك اجترأوا على تفوّه العظيمة التي هي قولُهم : { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا } وحَمْلُ الحجاب على ما روي عن أسماءَ بنت أبي بكر رضي الله عنه من أنه لما نزلت سورةُ ( تبّت ) أقبلت العوراءُ أمُّ جميل امرأةُ أبي لهبٍ وفي يدها فِهْرٌ{[505]} والنبيُّ عليه الصلاة والسلام قاعد في المسجد ومعه أبو بكر رضي الله عنه ، فلما رآها قال : يا رسول الله ، لقد أقبلت هذه وأخاف أن تراك ، قال عليه الصلاة والسلام : « إنها لن تراني » وقرأ قرآناً فوقفت على أبي بكر رضي الله عنه ولم تَرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، مما لا يقبله الذوقُ السليم ولا يساعده النظمُ الكريم { مَّسْتُورًا } ذا سَتْرٍ كما في قولهم : سيلٌ مفعَمٌ ، أو مستوراً عن الحس بمعنى غيرَ حسيَ أو مستوراً في نفسه بحجاب آخرَ أو مستوراً كونُه حجاباً حيث لا يدرون أنهم لا يدرون .


[505]:الفهر: الحجر. وحجر ناعم صلب يسحق به الصيدلي الأدوية.