معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (216)

قوله تعالى : { كتب عليكم القتال } . أي فرض عليكم الجهاد ، واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال عطاء : الجهاد تطوع ، والمراد من الآية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيرهم ، وإليه ذهب الثوري ، واحتج من ذهب إلى هذا بقوله تعالى : ( فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى ) ولو كان القاعد تاركاً فرضاً لم يكن بعده الحسنى ، وجرى بعضهم على ظاهر الآية ، وقال : الجهاد فرض على كافة المسلمين إلى قيام الساعة .

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي الخوارزمي أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا أبو عمرو أحمد بن أبي القرائي ، أخبرنا أبو الهيثم بن كليب أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة ، أخبرنا سعيد بن عثمان العبدي عن عمر بن محمد بن المنكدر عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات ولم يغز ، ولم يحدث نفسه بالغزو ، مات على شعبة من النفاق " .

وقال قوم ، وعليه الجمهور : إن الجهاد فرض على الكفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، مثل صلاة الجنازة ، ورد السلام ، قال الزهري والأوزاعي : كتب الله الجهاد على الناس غزوا ، أو قعدوا ، فمن غزا فيها ونعمت ، ومن قعد فهو عدة ، إن استعين به أعان ، وإن استنفر نفر ، وإن استغني عنه قعد .

قوله تعالى : { وهو كره لكم } . أي شاق عليكم قال بعض أهل المعاني : هذا الكره من حيث نفور الطبع عنه لما فيه ، من مؤنة المال ومشقة النفس وخطر الروح ، لا أنهم كرهوا أمر الله تعالى ، وقال عكرمة : نسخها قوله تعالى : ( سمعنا وأطعنا ) يعني أنهم كرهوه ثم لبوه فقالوا ( سمعنا وأطعنا ) .

قوله تعالى : { وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم } . لأن في الغزو إحدى الحسنيين : إما الظفر والغنيمة ، وإما الشهادة والجنة

قوله تعالى : { وعسى أن تحبوا شيئاً } . يعني القعود عن الغزو .

قوله تعالى : { وهو شر لكم } . لما فيه من فوات الغنيمة والأجر .

قوله تعالى : { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (216)

هذا إيجاب من الله تعالى للجهاد على المسلمين : أن يكُفُّوا شرّ الأعداء عن حَوْزة الإسلام .

وقال الزهري : الجهادُ واجب على كلّ أحد ، غزا أو قعد ؛ فالقاعد عليه إذَا استعين أن يَعينَ ، وإذا استُغيثَ أن يُغيثَ ، وإذا استُنْفرَ أن ينفر ، وإن لم يُحتَجْ إليه قعد .

قلت : ولهذا ثَبَت في الصحيح{[3759]} " من مات ولم يغز ، ولم يحدث نفسه بغزو مات ميتة جاهلية " {[3760]} . وقال عليه السلام يوم الفتح : " لا هجرة ، ولكن جهاد ونيَّة ، إذا استنفرتم فانفروا " {[3761]} .

وقوله : { وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ } أي : شديد عليكم ومشقة . وهو كذلك ، فإنه إما أن يُقْتَلَ أو يجرحَ مع{[3762]} مشقة السفر ومجالدَة الأعداء .

ثم قال تعالى : { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } أي : لأنّ القتالَ يعقبه النصر والظفر على الأعداء ، والاستيلاء على بلادهم ، وأموالهم ، وذرَاريهم ، وأولادهم .

{ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ } وهذا عام في الأمور كلّها ، قد يُحِبّ المرءُ شيئًا ، وليس له فيه خيرة ولا مصلحة . ومن ذلك القُعُود عن القتال ، قد يَعْقُبُه استيلاء العدو على البلاد والحكم .

ثم قال تعالى : { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } أي : هو أعلم بعواقب الأمور منكم ، وأخبَرُ بما فيه صلاحكم في دنياكم وأخراكم ؛ فاستجيبوا له ، وانقادوا لأمره ، لعلكم ترشدون .


[3759]:في أ: "في الصحيحين".
[3760]:صحيح مسلم برقم (1910) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[3761]:رواه البخاري في صحيحه برقم (1834، 2783، 2825) ومسلم في صحيحه برقم (1353) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[3762]:في أ: "على".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (216)

{ كتب عليكم القتال وهو كره لكم } شاق عليكم مكروه طبعا ، وهو مصدر نعت به للمبالغة ، أو فعل بمعنى مفعول كالخبز . وقرئ بالفتح على أنه لغة فيه كالضعف والضعف ، أو بمعنى الإكراه على المجاز كأنهم أكرهوا عليه لشدته وعظم مشقته كقوله تعالى { حملته أمه كرها ووضعته كرها } { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } وهو جميع ما كلفوا به ، فإن الطبع يكرهه وهو مناط صلاحهم وسبب فلاحهم . { وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم } وهو جميع ما نهوا عنه ، فإن النفس تحبه وتهواه وهو يفضي بها إلى الردى ، وإنما ذكر { عسى } لأن النفس إذا ارتاضت ينعكس الأمر عليها . { والله يعلم } ما هو خير لكم . { وأنتم لا تعلمون } ذلك ، وفيه دليل على أن الأحكام تتبع المصالح الراجحة وإن لم يعرف عينها .